أصلا وتفريعا ، أي من هذا الكلام الذي قرع أسماعكم ، لكان أجود. وإطلاق الحديث على خبر البعث أوضح لأن الحديث يراد به الخبر الذي صار حديثا للقوم.
والتعريف في (الْحَدِيثِ) على كلا التفسيرين تعريف العهد.
والمدهن : الذي يظهر خلاف ما يبطن ، يقال : أدهن ، ويقال : داهن ، وفسر أيضا بالتهاون وعدم الأخذ بالحزم ، وفسر بالتكذيب.
والاستفهام على كل التفاسير مستعمل في التوبيخ ، أي كلامكم لا ينبغي إلا أن يكون مداهنة كما يقال لأحد قال كلاما باطلا : أتهزأ ، أي قد نهض برهان صدق القرآن بحيث لا يكذب به مكذب إلا وهو لا يعتقد أنه كذب لأن حصول العلم بما قام عليه البرهان لا يستطيع صاحبه دفعه عن نفسه ، فليس إصراركم على التكذيب بعد ذلك إلا مداهنة لقومكم تخشون إن صدّقتم بهذا الحديث أن تزول رئاستكم فيكون في معنى قوله تعالى : (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ) [الأنعام : ٣٣].
وعلى تفسير (مُدْهِنُونَ) بمعنى الإلانة ، فالمعنى : لا تتراخوا في هذا الحديث وتدبروه وخذوا بالفور في اتباعه.
وإن فسر (مُدْهِنُونَ) بمعنى : تكذبون ، فالمعنى واضح.
وتقديم المجرور للاهتمام ، وصوغ الجملة الاسمية في (أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ) لأن المقرّر عليه إدهان ثابت مستمرّ.
(وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (٨٢))
إذا جرينا على ما فسر به المفسرون تكون هذه الجملة عطفا على جملة (أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ) [الواقعة : ٨١] عطف الجملة على الجملة فتكون داخلة في حيّز الاستفهام ومستقلة بمعناها.
والمعنى : أفتجعلون رزقكم أنكم تكذبون ، وهو تفريع على ما تضمنه الاستدلال بتكوين نسل الإنسان وخلق الحب ، والماء في المزن ، والنار من أعواد الاقتداح ، فإن في مجموع ذلك حصول مقومات الأقوات وهي رزق ، والنسل رزق ، يقال : رزق فلان ولدا ، لأن الرزق يطلق على العطاء النافع ، قال لبيد :
رزقت مرابيع النجوم وصابها |
|
ودق الرواعد جودها فرهامها |