على المشركين منهم بعقيدة من العقائد التي أنكرها الله عليهم وأن ما وقع في الحديبية مطر آخر لأن السورة نزلت قبل الهجرة. ولم يرو أن هذه الآية ألحقت بالسورة بعد نزول السورة.
ولعل الراوي عنه لم يحسن التعبير عن كلامه فأوهم بقوله فنزلت (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ) [الواقعة : ٧٥] بأن يكون ابن عباس قال : فتلا رسول الله صلىاللهعليهوسلم : (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ) ، أو نحو تلك العبارة. وقد تكرر مثل هذا الإيهام في أخبار أسباب النزول» ويتأكد هذا صيغة (تُكَذِّبُونَ) لأن قولهم : مطرنا بنوء كذا ، ليس فيه تكذيب بشيء ، ولذلك احتاج ابن عطية إلى تأويله بقوله : «فإن الله تعالى قال : (وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ رِزْقاً لِلْعِبادِ) [ق : ٩ ـ ١١] فهذا معنى (أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) أي تكذبون بهذا الخبر.
والذي نحاه الفخر منحى آخر فجعل معنى (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) تكملة للإدهان الذي في قوله تعالى : (أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ) [الواقعة : ٨١] فقال : «أي تخافون أنكم إن صدّقتم بالقرآن ومنعتم ضعفاءكم عن الكفر يفوت عليكم من كسبكم ما تربحونه بسببهم فتجعلون رزقكم أنكم تكذّبون الرسول أي فيكون عطفا على (مُدْهِنُونَ) [الواقعة : ٨١] عطف فعل على اسم شبيه به ، وهو من قبيل عطف المفردات ، أي أنتم مدهنون وجاعلون رزقكم أنكم تكذّبون ، فهذا التكذيب من الإدهان ، أي أنهم يعلمون صدق الرسول صلىاللهعليهوسلم ولكنهم يظهرون تكذيبه إبقاء على منافعهم فيكون كقوله تعالى : (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ) [الأنعام : ٣٣]. وعلى هذا يقدر قوله : (أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) مجرورا بباء الجر محذوفة ، والتقدير : وتجعلون رزقكم بأنكم تكذبون ، أي تجعلون عوضه بأن تكذّبوا بالبعث».
[٨٣ ـ ٨٧] (فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (٨٣) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (٨٤) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ (٨٥) فَلَوْ لا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (٨٦) تَرْجِعُونَها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٨٧))
مقتضى فاء التفريع أن الكلام الواقع بعدها ناشئ عما قبله على حسب ترتيبه وإذ قد كان الكلام السابق إقامة أدلة على أن الله قادر على إعادة الحياة للناس بعد الموت ، وأعقب ذلك بأن تلك الأدلة أيدت ما جاء في القرآن من إثبات البعث ، وأنحى عليهم أنهم وضحت لهم الحجة ولكنهم مكابرون فيها ومظهرون الجحود وهم موقنون بها في الباطن ،