وجعل الزمخشري تفريعه على ما حكي من كلامهم السابق مبنيا على أن ما حكي من كلامهم في الأنواء والتكذيب يفضي إلى مذهب التعطيل ، فاستدل عليهم بدليل يقتضي وجود الخالق وهو كله ناء عن معنى الآية لأن الدهرية لا ينتحلها جميع العرب بل هي نحلة طوائف قليلة منهم وناء عن متعارف ألفاظها وعن ترتيب استدلالها.
[٨٨ ـ ٩٤] (فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٨٨) فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (٨٩) وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ (٩٠) فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ (٩١) وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (٩٢) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (٩٣) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (٩٤))
لما اقتضى الكلام بحذافره أن الإنسان صاحب الروح صائر إلى الجزاء فرع عليه إجمال أحوال الجزاء في مراتب الناس إجمالا لما سبق تفصيله بقوله : (وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً) إلى قوله : (لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ) [الواقعة : ٧ ـ ٤٤] ليكون هذا فذلكة للسورة وردّا لعجزها على صدرها.
فضمير (إِنْ كانَ) عائد إلى ما عاد إليه ضمير (إِلَيْهِ) من قوله : (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ) [الواقعة : ٨٥].
والمقربون هم السابقون الذين تقدم ذكرهم في قوله تعالى : (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ* أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) [الواقعة : ٨٥] وأصحاب اليمين قد تقدم والمكذبون الضالون : هم أصحاب الشمال المتقدم ذكرهم.
وقد ذكر لكل صنف من هؤلاء جزاء لم يذكر له فيما تقدم ليضم إلى ما أعدّ له فيما تقدم على طريقة القرآن في توزيع القصة.
والرّوح : بفتح الراء في قراءة الجمهور ، وهو الراحة ، أي فروح له ، أي هو في راحة ونعيم ، وتقدم في قوله : (وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ) في سورة يوسف [٨٧]. وقرأه رويس عن يعقوب بضم الراء. ورويت هذه القراءة عن عائشة عن النبي صلىاللهعليهوسلم عند أبي داود والترمذي والنسائي ، أي أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم روي عنه الوجهان ، فالمشهور روي متواترا ، والآخر روي متواترا وبالآحاد ، وكلاهما مراد.
ومعنى الآية على قراءة ضم الراء : أن روحه معها الريحان وهو الطيب وجنة النعيم. وقد ورد في حديث آخر : «أن روح المؤمن تخرج طيبة». وقيل : أطلق الرّوح بضم الراء