يؤاخذه به. والمعنى : أنه مستوجب العقاب كما قال : (فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ) [إبراهيم : ٢٢].
والمعنى : أن في قصة موسى وفرعون آية للذين يخافون العذاب الأليم فيجتنبون مثل أسباب ما حل بفرعون وقومه من العذاب وهي الأسباب التي ظهرت في مكابرة فرعون عن تصديق الرسول الذي أرسل إليه ، وأن الذين لا يخافون العذاب لا يؤمنون بالبعث والجزاء لا يتعظون بذلك لأنهم لا يصدقون بالنواميس الإلهية ولا يتدبرون في دعوة أهل الحق فهم لا يزالون معرضين ساخرين عن دعوة رسولهم متكبرين عليه ، مكابرين في دلائل صدقه ، فيوشك أن يحل بهم من مثل ما حلّ بفرعون وقومه ، لأن ما جاز على المثل يجوز على المماثل ، وقد كان المسلمون يقولون : إن أبا جهل فرعون هذه الأمة.
[٤١ ـ ٤٢] (وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (٤١) ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (٤٢))
نظم هذه الآية مثل نظم قوله : (وَفِي مُوسى إِذْ أَرْسَلْناهُ إِلى فِرْعَوْنَ) [الذاريات : ٣٨] انتقل إلى العبرة بأمة من الأمم العربية وهم عاد وهم أشهر العرب البائدة.
و (الرِّيحَ الْعَقِيمَ) هي : الخليّة من المنافع التي ترجى لها الرياح من إثارة السحاب وسوقه ، ومن إلقاح الأشجار بنقل غبرة الذكر من ثمار إلى الإناث من أشجارها ، أي الريح التي لا نفع فيها ، أي هي ضارّة. وهذا الوصف لما كان مشتقا مما هو من خصائص الإناث كان مستغنيا عن لحاق هاء التأنيث لأنها يؤتى بها للفرق بين الصنفين. والعرب يكرهون العقم في مواشيهم ، أي ريح كالناقة العقيم لا تثمر نسلا ولا درّا ، فوصف الريح بالعقيم تشبيه بليغ في الشؤم ، قال تعالى : (أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ) [الحج : ٥٥].
وجملة (ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ) صفة ثانية ، أو حال ، فهو ارتقاء في مضرة هذا الريح فإنه لا ينفع وأنه يضر أضرارا عظيمة.
وصيغ (تَذَرُ) : بصيغة المضارع لاستحضار الحالة العجيبة. و (شَيْءٍ) في معنى المفعول ل (تَذَرُ) فإن (من) لتأكيد النفي والنكرة المجرورة ب (من) هذه نص في نفي الجنس ولذلك كانت عامة ، إلا أن هذا العموم مخصص بدليل العقل لأن الريح إنما تبلي الأشياء التي تمر عليها إذا كان شأنها أن يتطرق إليها البلى ، فإن الريح لا تبلي الجبال ولا البحار ولا الأودية وهي تمر عليها وإنما تبلي الديار والأشجار والناس والبهائم ، ومثله