الْحُسْنى وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (١٠))
(وَما لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ).
الإنفاق في سبيل الله بمعناه المشهور وهو الإنفاق في عتاد الجهاد لم يكن إلا بعد الهجرة فإن سبيل الله غلب في القرآن إطلاقه على الجهاد ويؤيده قوله عقبه : (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ) ، لأن الأصل أن يكون ذلك متصلا نزوله مع هذا ولو حمل الإنفاق على معنى الصدقات لكان مقتضيا أنها مدنية لأن الإنفاق بهذا المعنى لا يطلق إلا على الصدقة على المؤمنين فلا يلام المشركون على تركه.
وعليه فالخطاب موجّه للمؤمنين ، فقد أعيد الخطاب بلون غير الذي ابتدئ به.
ومن لطائفه أنه موجه إلى المنافقين الذين ظاهرهم أنهم مسلمون وهم في الباطن مشركون فهم الذين شحّوا بالإنفاق.
ووجه إلحاق هذه الآية وهي مدنيّة بالمكيّ من السورة مناسبة استيعاب أحوال الممسكين عن الإنفاق من الكفار والمؤمنين تعريضا بالتحذير من خصال أهل الكفر إذ قد سبقها قوله : (وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ) [الحديد : ٧].
و (ما) استفهامية مستعملة في اللوم والتوبيخ على عدم إنفاقهم في سبيل الله.
و (أن) مصدرية ، والمصدر المنسبك منها والفعل المنصوب بها في محل جر باللام ، أو ب (في) محذوف ، والتقدير : ما حصل لكم في عدم إنفاقكم ، أي ذلك الحاصل أمر منكر.
وعن الأخفش أنّ (أن) زائدة فيكون بمنزلة قوله : (وَما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللهِ) [الحديد : ٨]. وليس نصبها الفعل الذي بعدها بمانع من اعتبارها زائدة لأن الحرف الزائد قد يعمل مثل حرف الجر الزائد ، وقد تقدم ذلك عند قوله تعالى : (قالُوا وَما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ) في سورة البقرة [٢٤٦].
والواو في (وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) واو الحال وهو حال من ضمير (تُنْفِقُوا) باعتبار أن عموم السماوات والأرض يشمل ما فيهما فيشمل المخاطبين فذلك العموم هو الرابط. والتقدير : لله ميراث ما في السماوات والأرض ، ويشمل ميراثه إياكم.
والمعنى : إنكار عدم إنفاق أموالهم فيما دعاهم الله إلى الإنفاق فيه وهم سيهلكون