وقوله : (فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ) تفريع على (وَهُمْ يَنْظُرُونَ) ، أي فما استطاعوا أن يدفعوا ذلك حين رؤيتهم بوادره. فالقيام مجاز للدفاع كما يقال : هذا أمر لا يقوم له أحد ، أي لا يدفعه أحد. وفي الحديث «غضب غضبا لا يقوم له أحد» ، أي فما استطاعوا أيّ دفاع لذلك.
وقوله : (وَما كانُوا مُنْتَصِرِينَ) أي لم ينصرهم ناصر حتى يكونوا منتصرين لأن انتصر مطاوع نصر ، أي ما نصرهم أحد فانتصروا.
(وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (٤٦))
قرأ الجمهور (وَقَوْمَ) بالنصب بتقدير (اذكر) ، أو بفعل محذوف يدلّ عليه ما ذكر من القصص قبله ، تقديره : وأهلكنا قوم نوح ، وهذا من عطف الجمل وليس من عطف المفردات.
وقرأه أبو عمرو وحمزة والكسائي ويعقوب وخلف بالجر عطفا على (ثَمُودَ) [الذاريات : ٤٣] على تقدير : وفي قوم نوح.
ومعنى (مِنْ قَبْلُ) أنهم أهلكوا قبل أولئك فهم أول الأمم المكذبين رسولهم أهلكوا.
وجملة (إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ) تعليل لما تضمّنه قوله : (وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ). وتقدير كونهم آية للذين يخافون العذاب : من كونهم عوقبوا وأن عقابهم لأنهم كانوا قوما فاسقين.
وأخر الكلام على قوم نوح لما عرض من تجاذب المناسبات فيما أورد من آيات العذاب للأمم المذكورة آنفا بما علمته سابقا. ولذلك كان قوله : (مِنْ قَبْلُ) تنبيها على وجه مخالفة عادة القرآن في ترتيب حكاية أحوال الأمم على حسب ترتيبهم في الوجود. وقد أومأ قوله : (مِنْ قَبْلُ) إلى هذا ومثله قوله تعالى : (وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى * وَثَمُودَ فَما أَبْقى * وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغى) [النجم : ٥٠ ـ ٥٢].
(وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (٤٧))
لما كانت شبهة نفاة البعث قائمة على توهم استحالة إعادة الأجسام بعد فنائها أعقب تهديدهم بما يقوض توهمهم فوجه إليه الخطاب يذكرهم بأن الله خلق أعظم المخلوقات