مثل الذين كفروا ، أي الذين أعلنوا الكفر حتى كان حالة يعرفون بها. وهذا يقتضي أن المنافقين كانوا هم والكافرون في صعيد واحد عند أبواب جهنم ، ففيه احتراس من أن يتوهم الكافرون الصرحاء من ضمير (لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ) أن ذلك حكم خاص بالمنافقين تعلقا بأقل طمع ، فليس ذكر (وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) مجرد استطراد.
والمأوى : المكان الذي يؤوى إليه ، أي يصار إليه ويرجع ، وكني به عن الاستمرار والخلود.
وأكد ذلك بالصريح بجملة (مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ)! أي ترجعون إليها كما يرجع المستنصر إلى مولاه لينصره أو يفادي عنه ، فاستعير المولى للمقرّ على طريقة التهكم.
ويجوز مع ذلك أن يجعل المولى اسم مكان الولي ، وهو القرب والدنوّ ، أي مقركم ، كقول لبيد :
فغدت كلا الفرجين تحسب أنه |
|
مولى المخافة خلفها وأمامها |
أي مكان المخافة ومقرها.
و (بِئْسَ الْمَصِيرُ) تذييل يشمل جميع ما يصيرون إليه من العذاب. وقد يحصل العلم للمؤمنين بما أجابوا به أهل النفاق لأنهم صاروا إلى دار الحقائق.
(أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (١٦))
قد علم من صدر تفسير هذه السورة أن هذه الآية نزلت بمكة سنة أربع أو خمس من البعثة رواه مسلم وغيره عن عبد الله بن مسعود أنه قال : ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ) إلى (وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) إلا أربع سنين.
والمقصود من (لِلَّذِينَ آمَنُوا) : إما بعض منهم ربما كانوا مقصرين عن جمهور المؤمنين يومئذ بمكة فأراد الله إيقاظ قلوبهم بهذا الكلام المجمل على عادة القرآن وأقوال الرسول صلىاللهعليهوسلم في التعريض مثل قوله : «ما بال أقوام يفعلون كذا» وقوله تعالى : (وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ) [آل عمران : ١٥٤]. وليس ما قاله ابن