والأمد : الغاية من مكان أو زمان والمراد به هنا : المدة التي أوصوا بأن يحافظوا على اتباع شرائعهم فيها المغيّاة بمجيء الرسول صلىاللهعليهوسلم المبشر في الشرائع (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ) النبيين لما آتيناكم (مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ) [آل عمران : ٨١].
والمعنى : أنهم نسوا ما أوصوا به فخالفوا أحكام شرائعهم ولم يخافوا عقاب الله يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا ، وصار ديدنا لهم رويدا رويدا حتى ضرءوا بذلك ، فقست قلوبهم ، أي تمردت على الاجتراء على تغيير أحكام الدين.
وجملة (وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) اعتراض في آخر الكلام.
والمعنى : أن كثيرا منهم تجاوزوا ذلك الحدّ من قسوة القلوب فنبذوا دينهم وبدلوا كتابهم وحرفوه وأفسدوا عقائدهم فبلغوا حدّ الكفر. فالفسق هنا مراد به الكفر كقوله تعالى : (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ) [المائدة : ٥٩] ، أي غير مؤمنين بدليل المقابلة بقوله : (آمَنَّا بِاللهِ) إلى آخره.
وبين قوله : (فَقَسَتْ) وقوله : (فاسِقُونَ) محسّن الجناس. وهذا النوع فيه مركب مما يسمى جناس القلب وما يسمى الجناس الناقص وقد اجتمعا في هذه الآية.
(اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (١٧))
افتتاح الكلام ب (اعْلَمُوا) ونحوه يؤذن بأن ما سيلقى جدير بتوجه الذهن بشراشره إليه ، كما تقدم عند قوله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ) في سورة البقرة [٢٣٥] وقوله : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ) الآية في سورة الأنفال [٤١].
وهو هنا يشير إلى أن الكلام الذي بعده مغزى عظيم غير ظاهر ، وذلك أنه أريد به تمثيل حال احتياج القلوب المؤمنة إلى ذكر الله بحال الأرض الميتة في الحاجة إلى المطر ، وحال الذكر في تزكية النفوس واستنارتها بحال الغيث في إحياء الأرض الجدبة. ودل على ذلك قوله بعده : (قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) ، وإلا فإن إحياء الله