والنبات : اسم مصدر نبت قال تعالى : (وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً) [نوح : ١٧] ، وهو هنا أطلق على النابت من إطلاق المصدر على الفاعل وهو كثير ، وأصله أن يراد به المبالغة ، وقد يشيع فيزول قصد المبالغة به.
وقوله : (ثُمَّ يَهِيجُ) تضافرت كلمات المفسرين على تفسير يهيج ب (ييبس) أو يجف ، ولم يستظهروا بشاهد من كلام العرب يدل على أن من معاني الهياج الجفاف ، وقد قال الراغب : يقال : هاج البقل ، إذا اصفرّ وطاب ، وفي «الأساس» : من المجاز هاج البقل ، إذا أخذ في اليبس. وهذان الإمامان لم يجعلا (هاج) بمعنى (يبس) وكيف لفظ الآية (ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا) ، فالوجه أن الهياج : الغلظ ومقاربة اليبس ، لأن مادة الهياج تدل على الاضطراب والثوران وسميت الحرب الهيجاء ، وقال النابغة :
أهاجك من سعداك مغنى المعاهد
والزرع إذا غلظ يكون لحركته صوت فكأنه هائج ، أي ثائر وذلك ابتداء جفافه ، وذلك كقوله تعالى : (كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ) في سورة الفتح [٢٩].
وعطفت جملة (يَهِيجُ) ب (ثم) لإفادة التراخي الرتبي لأن اصفرار النبات أعظم دلالة على التهيّؤ للزوال ، وهذا هو الأهم في مقام التزهيد في متاع الدنيا.
وعطف (فَتَراهُ مُصْفَرًّا) بالفاء لأن اصفرار النبت مقارب ليبسه ، وعطف (ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً) ب (ثم) كعطف (ثُمَّ يَهِيجُ).
والحطام : بضم الحاء ما حطم ، أي كسر قطعا.
فضرب مثل الحياة الدنيا لأطوار ما فيها من شباب وكهولة وهرم ففناء ، ومن جدة وتبذّل وبلى ، ومن إقبال الأمور في زمن إقبالها ثم إدبارها بعد ذلك ، بأطوار الزرع. وكلّها أعراض زائلة وآخرها فناء.
وتندرج فيها أطوار المرء في الحياة المذكورة في قوله : (لَعِبٌ وَلَهْوٌ) إلى (وَالْأَوْلادِ) كما يظهر بالتأمل.
وهذا التمثيل مع كونه تشبيه هيئة مركّبة بهيئة مثلها هو صالح للتفريق ومقابلة أجزاء الهيئة المشبهة بأجزاء الهيئة المشبه بها ، فيشبّه أول أطوار الحياة وإقبالها بالنبات عقب