(الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٢٤))
يجوز أن يكون (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ) ابتداء كلام على الاستئناف لأن الكلام الذي قبله ختم بالتذييل بقوله : (وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ) [الحديد : ٢٣] فيكون (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ) مبتدأ وخبره محذوفا يدل عليه جواب الشرط وهو (فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ). والتقدير : فإن الله غني عنهم وحامد للمنفقين.
ويجوز أن يكون متصلا بما قبله على طريقة التخلص فيكون (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ) بدلا من (كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ) ، أو خبرا لمبتدإ محذوف هو ضمير (كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ). تقديره : هم الذين يبخلون ، وعلى هذا الاحتمال الأخير فهو من حذف المسند إليه اتّباعا للاستعمال كما سماه السكاكي ، وفيه وجوه آخر لا نطوّل بها.
والمراد ب (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ) : المنافقون ، وقد وصفهم الله بمثل هذه الصلة في سورة النساء ، وأمرهم الناس بالبخل هو الذي حكاه الله عنهم بقوله : (هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا) [المنافقون : ٧] ، أي على المؤمنين.
وجملة (وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) تذييل لأن (مَنْ يَتَوَلَ) يعم (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ) وغيرهم فإنّ (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ) أي في سبيل الله وفي النفقات الواجبة قد تولوا عن أمر الله و (من) شرطية عامة.
وجملة (فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) قائمة مقام جواب الشرط لأن مضمونها علة للجواب ، فالتقدير : ومن يتولّ فلا يضر الله شيئا ولا يضر الفقير لأن الله غني عن مال المتولّين ، ولأن له عبادا يطيعون أمره فيحمدهم.
والغنيّ : الموصوف بالغنى ، أي عدم الاحتياج. ولما لم يذكر له متعلق كان مفيدا الغنى العام.
والحميد : وصف مبالغة ، أي كثير الحمد للمنفقين على نحو قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) [المائدة : ٥٤] الآية.