(قَبْلِهِمْ) عائد إلى مشركي العرب الحاضرين.
وزيادة (مِنْ) في قوله : (مِنْ رَسُولٍ) للتنصيص على إرادة العموم ، أي أن كل رسول قال فيه فريق من قومه : هو ساحر ، أو مجنون ، أي قال بعضهم : ساحر ، وقال بعضهم : مجنون ، مثل قوم نوح دون السحر إذ لم يكن السحر معروفا في زمانهم قالوا : (إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ) [المؤمنون : ٢٥]. وقد يجمعون القولين مثل قول فرعون في موسى.
وهذا العموم يفيد أنه لم يخل قوم من الأقوام المذكورين إلا قالوا لرسولهم أحد القولين ، وما حكي ذلك عن بعضهم في آيات أخرى بلفظه أو بمرادفه كقول قوم هود (إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ) [هود : ٥٤].
وأول الرسل هو نوح كما هو صريح الحديث الصحيح في الشفاعة. فلا يرد أن آدم لم يكذبه أهله ، وأن أنبياء بني إسرائيل مثل يوشع وأشعيا ، لم يكذبهم قومهم ، لأن الله قال : (مِنْ رَسُولٍ) ، والرسول أخص من النبي.
والاستثناء في (إِلَّا قالُوا ساحِرٌ) استثناء من أحوال محذوفة.
والمعنى : ما أتى الذين من قبلهم من رسول في حال من أحوال أقوالهم إلا في حال قولهم : ساحر أو مجنون.
والقصر المستفاد من الاستثناء قصر ادعائي لأن للأمم أقوالا غير ذلك وأحوالا أخرى ، وإنما قصروا على هذا اهتماما بذكر هذه الحالة العجيبة من البهتان ، إذ يرمون أعقل الناس بالجنون وأقومهم بالسحر.
وإسناد القول إلى ضمير الذين من قبل مشركي العرب الحاضرين إسناد باعتبار أنه قول أكثرهم فإن الأمور التي تنسب إلى الأقوام والقبائل تجري على اعتبار الغالب.
(أَتَواصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ (٥٣))
الاستفهام مستعمل في التعجيب من تواطئهم على هذا القول على طريقة التشبيه البليغ ، أي كأنهم أوصى بعضهم بعضا بأن يقولوه. فالاستفهام هنا كناية عن لازمه وهو التعجيب لأن شأن الأمر العجيب أن يسأل عنه.
والجملة استئناف بياني لأن تماثل هؤلاء الأمم في مقالة التكذيب يثير سؤال سائل