الجانب المقصور دونه بصيغة القصر لأن صيغة القصر لا تحتاج إلى ذكر الضد. ولا يحسن ذكر الضد في الكلام البليغ.
فقوله : (ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ) كناية عن عدم الاحتياج إليهم لأن أشد الحاجات في العرف حاجة الناس إلى الطعام واللباس والسكن وإنما تحصل بالرزق وهو المال ، فلذلك ابتدئ به ثم عطف عليه الإطعام ، أي إعطاء الطعام لأنه أشد ما يحتاج إليه البشر ، وقد لا يجده صاحب المال إذا قحط الناس فيحتاج إلى من يسلفه الطعام أو يطعمه إياه ، وفي هذا تعريض بأهل الشرك إذ يهدون إلى الأصنام الأموال والطعام تتلقاه منهم سدنة الأصنام.
والرزق هنا : المال كقوله تعالى : (فَابْتَغُوا عِنْدَ اللهِ الرِّزْقَ) [العنكبوت : ١٧] وقوله : (اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) [الرعد : ٢٦] وقوله : (وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللهُ) [الطلاق : ٧] ، ويطلق الرزق على الطعام كقوله تعالى : (وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا) [مريم : ٦٢] ويمنع من إرادته هنا عطف (وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ).
(إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (٥٨))
تعليل لجملتي (ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ) [الذاريات : ٥٧] والرزق هنا بمعنى ما يعمّ المال والإطعام.
والرزاق : الكثير الإرزاق ، والقوة : القدرة.
وذو القوة : صاحب القدرة. ومن خصائص (ذو) أن تضاف إلى أمر مهم ، فعلم أن القوة هنا قوة خلية من النقائص.
والمتين : الشديد ، وهو هنا وصف لذي القوة ، أي الشديد القوة ، وقد عدّ (الْمَتِينُ) في أسمائه تعالى. قال الغزالي : وذلك يرجع إلى معاني القدرة. وفي «معارج النور» شرح الأسماء «المتين : كمال في قوته بحيث لا يعارض ولا يدانى».
فالمعنى أنه المستغني غنى مطلقا فلا يحتاج إلى شيء فلا يكون خلقه الخلق لتحصيل نفع له ولكن لعمران الكون وإجراء نظام العمران باتباع الشريعة التي يجمعها معنى العبادة في قوله : (إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات : ٥٦].
وإظهار اسم الجلالة في (إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ) إخراج للكلام على خلاف مقتضى