الظاهر لأن مقتضاه : إني أنا الرزاق ، فعدل عن الإضمار إلى الاسم الظاهر لتكون هذه الجملة مستقلة بالدلالة لأنها سيرت مسير الكلام الجامع والأمثال.
وحذفت ياء المتكلم من (لِيَعْبُدُونِ) و (يُطْعِمُونِ) للتخفيف ، ونظائره كثيرة في القرآن.
وفي قوله : (إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) طريق قصر لوجود ضمير الفصل ، أي : لا رزّاق ، ولا ذا قوة ، ولا متين إلا الله وهو قصر إضافي ، أي دون الأصنام التي يعبدونها.
فالقصر قصر إفراد بتنزيل المشركين في إشراكهم أصنامهم بالله منزلة من يدعي أن الأصنام شركاء لله في صفاته التي منها : الإرزاق ، والقوة ، والشدة ، فأبطل ذلك بهذا القصر ، قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ) [العنكبوت : ١٧] ، وقال : (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ) [الحج : ٧٣].
(فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ فَلا يَسْتَعْجِلُونِ (٥٩))
تفريع على جملة (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات : ٥٦] باعتبار أن المقصود من سياقه إبطال عبادتهم غير الله ، أي فإذا لم يفردني المشركون بالعبادة فإن لهم ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم ، وهو يلمح إلى ما تقدم من ذكر ما عوقبت به الأمم السالفة من قوله : (قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ) إلى قوله : (إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ) [الذاريات : ٣٢ ـ ٤٦].
والمعنى : فإذا ماثلهم الذين ظلموا فإن لهم نصيبا عظيما من العذاب مثل نصيب أولئك.
والذين ظلموا : الذين أشركوا من العرب ، والظلم : الشرك بالله.
والذنوب بفتح الذال : الدلو العظيمة يستقي بها السّقاة على القليب كما ورد في حديث الرؤيا «ثم أخذها أبو بكر ففزع ذنوبا أو ذنوبين» ولا تسمى ذنوبا إلا إذا كانت ملأى.