والكلام تمثيل لهيئة تساوي حظ الذين ظلموا من العرب بحظوظ الذين ظلموا من الأمم السالفة بهيئة الذين يستقون من قليب واحد إذ يتساوون في أنصبائهم من الماء ، وهو من تشبيه المعقول بالمحسوس ، وأطلق على الأمم الماضية اسم وصف أصحاب الذين ظلموا باعتبار الهيئة المشبه بها إذ هي هيئة جماعات الورد يكونون متصاحبين.
وهذا التمثيل قابل للتوزيع بأنه يشبّه المشركون بجماعة وردت على الماء ، وتشبه الأمم الماضية بجماعة سبقتهم للماء ، ويشبه نصيب كل جماعة بالدلو التي يأخذونها من الماء.
قال علقمة بن عبدة يمدح الملك الحارث بن أبي شمر ، ويشفع عنده لأخيه شأس بن عبدة وكان قد وقع في أسره مع بني تميم يوم عين أباغ :
وفي كل حي قد خبطت بنعمة |
|
فحقّ لشأس من نداك ذنوب |
فلما سمعه الملك قال : «نعم وأذنبة» وأطلق له أخاه شأس بن عبدة ومن معه من أسرى تميم ، وهذا تسلية لنبي صلىاللهعليهوسلم والمقصود : أن يسمعه المشركون فهو تعريض ، وبهذا الاعتبار أكد الخبر ب (إنّ) لأنهم كانوا مكذبين بالوعيد ، ولذلك فرع على التأكيد قال : (فَلا يَسْتَعْجِلُونِ) لأنهم كانوا يستعجلون بالعذاب استهزاء وإشعارا بأنه وعد مكذوب في الواقع يستعجلون الله تعالى بوعيده.
وعدّي الاستعجال إلى ضمير الجلالة وهم إنما استعجلوه النبي صلىاللهعليهوسلم لإظهار أن النبيصلىاللهعليهوسلم مخبر عن الله تعالى توبيخا لهم وإنذارا بالوعيد. وحذفت ياء المتكلم للتخفيف.
والنهي مستعمل في التهكم إظهارا لغضب الله عليهم.
(فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٦٠))
فرع على وعيدهم إنذار آخر بالويل ، أو إنشاء زجر.
والويل : الشر وسوء الحال ، وتقدم في قوله : (فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ) في سورة البقرة [٧٩] ، وتنكيره للتعظيم.
والكلام يحتمل الإخبار بحصول ويل ، أي عذاب وسوء حال لهم يوم أوعدوا به ، ويحتمل إنشاء الزجر والتعجيب من سوء حالهم في يوم أوعدوه.
و (من) للابتداء المجازي ، أي سوء حال بترقبهم عذابا آتيا من اليوم الذي أعدوه.