فالقسم به باعتبار شرفه بنزول كلام الله فيه ونزول الألواح على موسى وفي ذكر الطور إشارة إلى تلك الألواح لأنها اشتهرت بذلك الجبل فسميت طور المعرّب بتوراة.
وأما الجبل الذي خوطب فيه موسى من جانب الله فهو جبل حوريب واسمه في العربية (الزّبير) ولعله بجانب الطور كما في قوله تعالى : (آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً) ، وتقدم بيانه في سورة القصص [٢٩] ، وتقدم عند قوله تعالى : (وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ) في سورة البقرة [٦٣].
والقسم بالطور توطئة للقسم بالتوراة التي أنزل أولها على موسى في جبل الطور.
والمراد ب (كِتابٍ مَسْطُورٍ* فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ) التوراة كلها التي كتبها موسى عليهالسلام بعد نزول الألواح ، وضمّنها كل ما أوحى الله إليه مما أمر بتبليغه في مدة حياته إلى ساعات قليلة قبل وفاته. وهي الأسفار الأربعة المعروفة عند اليهود : سفر التكوين ، وسفر الخروج ، وسفر العدد ، وسفر التثنية ، وهي التي قال الله تعالى في شأنها : (وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْواحَ وَفِي نُسْخَتِها هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ) في سورة الأعراف [١٥٤].
وتنكير (كِتابٍ) للتعظيم. وإجراء الوصفين عليه لتمييزه بأنه كتاب مشرف مراد بقاؤه مأمور بقراءته إذ المسطور هو المكتوب. والسطر : الكتابة الطويلة لأنها تجعل سطورا ، أي صفوفا من الكتاب قال تعالى : (وَما يَسْطُرُونَ) [القلم : ١] ، أي يكتبون.
والرّق (بفتح الراء بعدها قاف مشددة) الصحيفة تتّخذ من جلد مرقق أبيض ليكتب عليه. وقد جمعها المتلمس في قوله :
فكأنما هي من تقادم عهدها |
|
رقّ أتيح كتابها مسطور |
والمنشور : المبسوط غير المطوي قال يزيد بن الطثرية :
صحائف عندي للعتاب طويتها |
|
ستنشر يوما ما والعتاب يطول |
أي : أقسم بحال نشره لقراءته وهي أشرف أحواله لأنها حالة حصول الاهتداء به للقارئ والسامع.
وكان اليهود يكتبون التوراة في رقوق ملصق بعضها ببعض أو مخيط بعضها ببعض ، فتصير قطعة واحدة ويطوونها طيّا اسطوانيا لتحفظ فإذا أرادوا قراءتها نشروا مطويها ، ومنه