بعد الضمير المتصل يفيد تقرير المسند إليه المحكوم عليه بخلاف تقديم المسند إليه فإنه يفيد تأكيد الحكم وتقويته وهو أشد توكيدا ، وكل ذلك في طريقة التهكم.
وجملة (اصْلَوْها) مستأنفة هي بمنزلة النتيجة المترقبة من التوبيخ والتغليظ السابقين، أي ادخلوها فاصطلوا بنارها يقال : صلي النار يصلاها ، إذا قاسى حرها.
والأمر في (اصْلَوْها) إمّا مكنّى به عن الدخول لأن الدخول لها يستلزم الاحتراق بنارها ، وإما مستعمل مجازا في التنكيل. وفرع على (اصْلَوْها) أمر للتسوية بين صبرهم على حرّها وبين عدم الصبر وهو الجزع لأن كليهما لا يخففان عنهم شيئا من العذاب ، ألا ترى أنهم يقولون : (سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ) [إبراهيم : ٢١] لأن جرمهم عظيم لا مطمع في تخفيف جزائه.
و (سَواءٌ عَلَيْكُمْ) خبر مبتدأ محذوف ، تقديره : ذلك سواء عليكم.
وجملة (سَواءٌ عَلَيْكُمْ) مؤكدة لجملة (فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا) فلذلك فصلت عنها ولم تعطف.
وجملة (إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) تعليل لجملة (اصْلَوْها) إذ كلمة (إِنَّما) مركبة من (إنّ) و (ما) الكافة ، فكما يصح التعليل ب (إنّ) وحدها كذلك يصح التعليل بها مع (ما) الكافة ، وعليه فجملتا (فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكُمْ) معترضتان بين جملة (اصْلَوْها) والجملة الواقعة تعليلا لها.
والحصر المستفاد من كلمة (إِنَّما) قصر قلب بتنزيل المخاطبين منزلة من يعتقد أن ما لقوه من العذاب ظلم لم يستوجبوا مثل ذلك من شدة ما ظهر عليهم من الفزع.
وعدي (تُجْزَوْنَ) إلى (ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) بدون الباء خلافا لقوله بعده (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [الطور : ١٩] ليشمل القصر مفعول الفعل المقصور ، أي تجزون مثل عملكم لا أكثر منه فينتفي الظلم عن مقدار الجزاء كما انتفى الظلم عن أصله ، ولهذه الخصوصية لم يعلق معمول الفعل بالباء إذ جعل بمنزلة نفس الفعل.
[١٧ ـ ١٩] (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (١٧) فاكِهِينَ بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقاهُمْ رَبُّهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (١٨) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٩))
استئناف بياني بعد أن ذكر حال المكذبين وما يقال لهم ، فمن شأن السامع أن