العمل نفسه فقد انقضى في إبانه.
وفي هذا التعليل كنايتان : إحداهما : أن أهل الكفر مقرونون بجزاء أعمالهم ، وثانيتهما : أن ذريات المؤمنين الذين ألحقوا بآبائهم في النعيم ألحقوا بالجنة كرامة لآبائهم ولو لا تلك الكرامة لكانت معاملتهم على حسب أعمالهم. وبهذا كان لهذه الجملة هنا وقع أشد حسنا مما سواه مع أنها صارت من حسن التتميم.
والكسب : يطلق على ما يحصله المرء بعلمه لإرادة نفع نفسه.
ورهين : فعيل بمعنى مفعول من الرهن وهو الحبس.
[٢٢ ، ٢٣] (وَأَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٢٢) يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْساً لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ (٢٣))
عطف على (فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ) [الطور : ١٧] إلخ.
والإمداد : إعطاء المدد وهو الزيادة من نوع نافع فيما زيد فيه ، أي زدناهم على ما ذكر من النعيم والأكل والشرب الهنيء فاكهة ولحما مما يشتهون من الفواكه واللحوم التي يشتهونها ، أي ليوتي لهم بشيء لا يرغبون فيه فلكل منهم ما اشتهى.
وخص الفاكهة واللحم تمهيدا لقوله : (يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْساً لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ) منحهم الله في الآخرة لذة نشوة الخمر والمنادمة على شربها لأنها من أحسن اللذات فيما ألفته نفوسهم ، وكان أهل الترف في الدنيا إذا شربوا الخمر كسروا سورة حدتها في البطن بالشواء من اللحم قال النابغة يصف قرن الثور :
سفّود شرب نسوه عند مفتأد
ويدفعون لذغ الخمر عن أفواههم بأكل الفواكه ويسمونها النّقل ـ بضم النون وفتحها ـ ويكون من ثمار ومقاث.
ولذلك جيء بقوله : (يَتَنازَعُونَ) حالا من ضمير الغائب في (أَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ) إلخ. والتنازع أطلق على التداول والتعاطي. وأصله تفاعل من نزع الدلو من البئر عند الاستقاء فإن الناس كانوا إذا وردوا للاستقاء نزع أحدهم دلوا من الماء ثم ناول الدلو لمن حوله وربما كان الرجل القوي الشديد ينزع من البئر للمستقين كلهم يكفيهم تعب النزع ، ويسمى الماتح بمثناة فوقية.