(أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ (٣٧)).
إنكار لأن يكون لهم تصرف في عطاء الله تعالى ولو دون تصرف المالك مثل تصرف الوكيل والخازن وهو ما عبر عنه بالمصيطرون.
والمصيطر : يقال بالصاد والسين في أوله : اسم فاعل من صيطر بالصاد والسين ، إذا حفظ وتسلط ، وهو فعل مشتق من سيطر إذا قطع ، ومنه الساطور ، وهو حديدة يقطع بها اللحم والعظم. وصيغ منه وزن فيعل للإلحاق بالرباعي كقولهم : بيقر ، بمعنى هلك أو تحضر ، وبيطر بمعنى شق ، وهيمن ، ولا خامس لها في الأفعال. وإبدال السين صادا لغة فيه مثل الصراط والسراط.
وقرأ الجمهور (الْمُصَيْطِرُونَ) بصاد. وقرأه قنبل عن ابن كثير وهشام عن ابن عامر ، وحفص في رواية بالسين في أوله.
وفي معنى الآية قوله تعالى : (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ) [الزخرف : ٣٢] ، وليس في الآية الاستدلال لهذا النفي في قوله : (أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ) لأن وضوحه كنار على علم. وقد تقدم في صدر تفسير هذه السورة حديث جبير بن مطعم لما سمع هذه الآية وكانت سبب إسلامه.
(أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (٣٨))
لما نفى أن يكون لهم تصرف قوي أو ضعيف في مواهب الله تعالى على عباده أعقبه بنفي أن يكون لهم اطلاع على ما قدره الله لعباده اطلاعا يخوّلهم إنكار أن يرسل الله بشرا أو يوحي إليه وذلك لإبطال قولهم : (تَقَوَّلَهُ) [الطور : ٣٣]. ومثل ذلك قولهم : (نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ) [الطور : ٣٠] المقتضي أنهم واثقون بأنهم يشهدون هلاكه. وحذف مفعول (يَسْتَمِعُونَ) ليعم كلاما من شأنه أن يسمع من الأخبار المغيبة بالمستقبل وغيره الواقع وغيره.
وسلك في نفي علمهم بالغيب طريق التهكم بهم بإنكار أن يكون لهم سلّم يرتقون به إلى السماء ليستمعوا ما يجري في العالم العلوي من أمر تتلقاه الملائكة أو أهل الملأ الأعلى بعضهم مع بعض فيسترقوا بعض العلم مما هو محجوب عن الناس إذ من المعلوم أنه لا سلّم يصل أهل الأرض بالسماء وهم يعلمون ذلك ويعلمه كل أحد.