وعلم من اسم السّلّم أنه آلة الصعود ، وعلم من ذكر السماوات في الآية قبلها أن المراد سلم يصعدون به إلى السماء ، فلذلك وصف ب (يَسْتَمِعُونَ فِيهِ) أي يرتقون به إلى السماء فيستمعون وهم فيه ، أي في درجاته الكلام الذي يجري في السماء. و (فِيهِ) ظرف مستقر حال من ضمير (يَسْتَمِعُونَ) ، أي وهم كائنون فيه لا يفارقونه إذ لا يفرض أنهم ينزلون منه إلى ساحات السماء.
وإسناد الاستماع إلى ضمير جماعتهم على اعتبار أن المستمع سفير عنهم على عادة استعمال الكلام العربي من إسناد فعل بعض القبيلة إلى جميعها إذا لم تصده عن عمله في قولهم : قتلت بنو أسد حجرا ، ألا ترى أنه قال بعد هذا (فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ) ، أي من استمع منهم لأجلهم ، أي أرسلوه للسمع. ومثل هذا الإسناد شائع في القرآن وتقدم عند قوله تعالى : (وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ) وما بعده من الآيات في سورة البقرة [٤٩].
و (في) للظرفية وهي ظرفية مجازية اشتهرت حتى ساوت الحقيقة لأن الراقي في السّلّم يكون كله عليه ، فالسلم له كالظرف للمظروف ، وإذ كان في الحقيقة استعلاء ثم شاع في الكلام فقالوا : صعد في السلم ، ولم يقولوا : صعد على السلم ولذلك اعتبرت ظرفية حقيقية ، أي حقيقة عرفية بخلاف الظرفية في قوله تعالى : (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) [طه : ٧١] لأنه لم يشتهر أن يقال : صلبه في جذع ، بل يقال : صلبه على جذع ، فلذلك كانت استعارة ، فلا منافاة بين قول من زعم أن الظرفية مجازية وقول من زعمها حقيقة.
والفاء في (فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) لتفريع هذا الأمر التعجيزي على النفي المستفاد من استفهام الإنكار. فالمعنى : فما يأتي مستمع منهم بحجة تدل على صدق دعواهم. فلام الأمر مستعمل في إرادة التعجيز بقرينة انتفاء أصل الاستماع بطريق استفهام الإنكار.
والسلطان : الحجة ، أي حجة على صدقهم في نفي رسالة محمد صلىاللهعليهوسلم ، أو في كونه على وشك الهلاك.
والمراد بالسلطان ما يدل على اطلاعهم على الغيب من أمارات كأن يقولوا : آية صدقنا فيما ندعيه وسمعناه من حديث الملأ الأعلى ، أننا سمعنا أنه يقع غدا حادث كذا وكذا مثلا ، مما لا قبل للناس بعلمه ، فيقع كما قالوا ويتوسم منه صدقهم فيما عداه. وهذا معنى وصف السلطان بالمبين ، أي المظهر لصحة الدعوى.