وقد وقع قوله : (سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ) إتماما للتذييل وتنهية المقصود من فضح حالهم.
وظاهر أن الاستفهام المقدر بعد (أَمْ) استفهام إنكاري. واعلم أن الآلوسي نقل عن «الكشف على الكشاف» كلاما في انتظام الآيات من قوله تعالى : (يَقُولُونَ شاعِرٌ) إلى قوله : (أَمْ لَهُمْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ) فيه نكت وتدقيق فانظره.
[٤٤ ـ ٤٦] (وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ (٤٤) فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ (٤٥) يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (٤٦))
عطف على جملة (أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ) [الطور : ٣٠] وما بعدها من الجمل الحالية لأقوالهم بمناسبة اشتراك معانيها مع ما في هذه الجملة في تصوير بهتانهم ومكابرتهم الدالة على أنهم أهل البهتان فلو أروا كسفا ساقطا من السماء وقيل لهم : هذا كسف نازل كابروا وقالوا هو سحاب مركوم.
فيجوز أن يكون (كِسْفاً) تلويحا إلى ما حكاه الله عنهم في سورة الإسراء [٩٠ ـ ٩٢] (وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً) إلى قوله : (أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً). وظاهر ما حكاه الطبري عن ابن زيد أن هذه الآية نزلت بسبب قولهم ذلك ، وإذ قد كان الكلام على سبيل الغرض فلا توقف على ذلك.
والمعنى : إن يروا كسفا من السماء مما سألوا أن يكون آية على صدقك لا يذعنوا ولا يؤمنوا ولا يتركوا البهتان بل يقولوا : هذا سحاب ، وهذا المعنى مروي عن قتادة. وهو من قبيل قوله تعالى : (وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ* لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ) [الحجر : ١٤ ، ١٥].
والكسف بكسر الكاف : القطعة ، ويقال : كسفة. وقد تقدم في سورة الإسراء.
و (مِنَ السَّماءِ) صفة ل (كِسْفاً) ، و (مِنَ) تبعيضية ، أي قطعة من أجزاء السماء مثل القطع التي تسقط من الشهب.
والمركوم : المجموع بعضه فوق بعض يقال : ركمه ركما ، وهو السحاب الممطر قال تعالى : (ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً) [النور : ٤٣].
والمعنى : أن يقع ذلك في المستقبل يقولوا سحاب ، وهذا لا يقتضي أنه يقع لأن