بفواحش السيئات ومساوئ الأعمال وأعظمها الإشراك.
وجملة (أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) مستأنفة استئنافا بيانيّا لبيان الإبهام الذي أفاده قوله: (فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ) كأن السامع سأل : ما ذا كان أثر إنساء الله إياهم أنفسهم؟ فأجيب بأنهم بلغوا بسبب ذلك منتهى الفسق في الأعمال السيئة حتى حقّ عليهم أن يقال : إنه لا فسق بعد فسقهم.
(لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ (٢٠))
تذييل لجملة (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ) [الحشر: ١٨] إلخ. لأنّه جامع لخلاصة عاقبة الحالين : حال التقوى والاستعداد للآخرة ، وحال نسيان ذلك وإهماله ، ولكلا الفريقين عاقبة عمله. ويشمل الفريقين وأمثالهم.
والجملة أيضا فذلكة لما قبلها من حال المتقين والذين نسوا الله ونسّوا أنفسهم لأن ذكر مثل هذا الكلام بعد ذكر أحوال المتحدّث عنه يكون في الغالب للتعريض بذلك المتحدّث عنه كقولك عند ما ترى أحدا يؤذي الناس : «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده» ، فمعنى الآية كناية عن كون المؤمنين هم أصحاب الجنة ، وكون الذين نسوا الله هم أهل النار فتضمنت الآية وعدا للمتقين ووعيدا للفاسقين.
والمراد من نفي الاستواء في مثل هذا الكناية عن البون بين الشيئين.
وتعيين المفضل من الشيئين موكول إلى فهم السامع من قرينة المقام كما في قول السموأل :
فليس سواء عالم وجهول
وقول أبي حزام غالب بن الحارث العكلي :
وأعلم أن تسليما وتركا |
|
لا متشابهان ولا سواء |
ومنه قوله تعالى : (لَيْسُوا سَواءً) بعد قوله : (وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ) [آل عمران : ١١٠] الآية. وقبل قوله : (مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ) [آل عمران : ١١٣]. وقد يردف بما يدل على جهة التفضيل كما في قوله تعالى : (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا) [الحديد : ١٠]. وقوله هنا