في الشروط المفروضة.
فالجبل : مثال لأشد الأشياء صلابة وقلة تأثر بما يقرعه. وإنزال القرآن مستعار للخطاب به. عبر عنه بالإنزال على طريقة التبعية تشبيها لشرف الشيء بعلوّ المكان ، ولإبلاغه للغير بإنزال الشيء من علوّ.
والمعنى : لو كان المخاطب بالقرآن جبلا ، وكان الجبل يفهم الخطاب لتأثر بخطاب القرآن تأثرا ناشئا من خشية لله خشية تؤثرها فيه معاني القرآن.
والمعنى : لو كان الجبل في موضع هؤلاء الذين نسوا الله وأعرضوا عن فهم القرآن ولم يتّعظوا بمواعظه لاتّعظ الجبل وتصدّع صخره وتربه من شدة تأثره بخشية الله.
وضرب التصدع مثلا لشدة الانفعال والتأثر لأن منتهى تأثر الأجسام الصلبة أن تنشقّ وتتصدع إذ لا يحصل ذلك لها بسهولة.
والخشوع : التطأطؤ والركوع ، أي لرأيته ينزل أعلاه إلى الأرض.
والتصدع : التشقق ، أي لتزلزل وتشقق من خوفه الله تعالى.
والخطاب في (لَرَأَيْتَهُ) لغير معيّن فيعمّ كل من يسمع هذا الكلام والرؤية بصرية ، وهي منفية لوقوعها جوابا لحرف (لَوْ) الامتناعية.
والمعنى : لو كان كذلك لرأيت الجبل في حالة الخشوع والتصدع.
وجملة (وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ) تذييل لأن ما قبلها سيق مساق المثل فذيّل بأن الأمثال التي يضربها الله في كلامه مثل المثل أراد منها أن يتفكروا فإن لم يتفكروا بها فقد سجّل عليهم عنادهم ومكابرتهم ، فالإشارة بتلك إلى مجموع ما مرّ على أسماعهم من الأمثال الكثيرة ، وتقدير الكلام : ضربنا هذا مثلا ، (وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ).
وضرب المثل سوقه ، أطلق عليه الضرب بمعنى الوضع كما يقال : ضرب بيتا ، وقد تقدم بيان ذلك عند قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما) في سورة البقرة [٢٦].
(هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ (٢٢))