وهو القبض بضد ذلك ، فبسط اليد الإكثار من عملها.
والمراد به هنا : عمل اليد الذي يضرّ مثل الضرب والتقييد والطعن ، وعمل اللسان الذي يؤذي مثل الشتم والتهكم. ودلّ على ذلك قوله : (بِالسُّوءِ) ، فهو متعلق ب (يَبْسُطُوا) الذي مفعوله (أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ).
وجملة (وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ) حال من ضمير (يَكُونُوا) ، والواو واو الحال ، أي وهم قد ودّوا من الآن أن تكفروا فكيف لو يأسرونكم أليس أهم شيء عندهم حينئذ أن يردّوكم كفارا ، فجملة الحال دليل على معطوف مقدّر على جواب الشرط كأنه قيل : إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء إلى آخره ، ويردوكم كفارا ، وليست جملة (وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ) معطوفة على جملة الجواب ، لأن محبتهم أن يكفر المسلمون محبة غير مقيدة بالشرط ، ولذلك وقع فعل (وَدُّوا) ماضيا ولم يقع مضارعا مثل الأفعال الثلاثة قبله (يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَيَبْسُطُوا) ليعلم أنه ليس معطوفا على جواب الشرط.
وهذا الوجه أحسن مما في كتاب «الإيضاح» للقزويني في بحث تقييد المسند بالشرط ، إذ استظهر أن يكون (وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ) عطفا على جملة (إِنْ يَثْقَفُوكُمْ).
ونظره بجملة (ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) من قوله تعالى : (وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) في آل عمران [١١١]. فإن المعطوف ب (ثم) فيها عطف على مجموع الشرط وفعله وجوابه لا على جملة فعل الشرط.
و (لَوْ) هنا مصدرية ففعل (تَكْفُرُونَ) مؤول بمصدر ، أي ودّوا كفركم.
(لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٣))
تخلص من تبيين سوء عاقبة موالاة أعداء الدّين في الحياة الدنيا ، إلى بيان سوء عاقبة تلك الموالاة في الآخرة ، ومناسبة حسن التخلص قوله : (وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ) [الممتحنة: ٢] الدالّ على معنى : أن ودادتهم كفركم من قبل أن يثقفوكم تنقلب إلى أن يكرهوكم على الكفر حين يثقفونكم ، فلا تنفعكم ذوا أرحامكم مثل الأمهات والإخوة الأشقاء ، وللأمّ ، ولا أولادكم ، ولا تدفع عنكم عذاب الآخرة إن كانوا قد نفعوكم في الدنيا بصلة ذوي الأرحام ونصرة الأولاد.