الأظهر أن هذه الجملة معترضة بين جمل حكاية مقال إبراهيم والذين معه وجملة (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) [الممتحنة : ٦] ، والاستثناء منقطع إذ ليس هذا القول من جنس قولهم : (إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ) إلخ ، فإن قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك رفق بأبيه وهو يغاير التبرّؤ منه ، فكان الاستثناء في معنى الاستدراك عن قوله : (إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ) الشامل لمقالة إبراهيم معهم لاختلاف جنسي القولين.
قال في «الكشاف» في قوله تعالى : (قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ إِلَّا آلَ لُوطٍ) في سورة الحجر (١) [٥٨ ، ٥٩]. أنه استثناء منقطع من (قَوْمٍ) لأن القوم موصوفون بالإجرام فاختلف لذلك الجنسان ا ه. فجعل اختلاف جنسي المستثنى والمستثنى منه موجبا اعتبار الاستثناء منقطعا. وفائدة الاستدراك هنا التعريض بخطإ حاطب ابن أبي بلتعة ، أي إن كنتم معتذرين فليكن عذركم في مواصلة أعداء الله بأن تودّوا لهم مغفرة كفرهم باستدعاء سبب المغفرة وهو أن يهديهم الله إلى الدين الحق كما قال إبراهيم لأبيه (لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ) ، ولا يكون ذلك بمصانعة لا يفهمون منها أنهم منكم بمحلّ المودة والعناية فيزدادوا تعنتا في كفرهم.
وحكاية قول إبراهيم لأبيه (وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ) إكمال لجملة ما قاله إبراهيم لأبيه وإن كان المقصود من الاستثناء مجرد وعده بالاستغفار له فبني عليه ما هو من بقية كلامه لما فيه من الدلالة على أن الاستغفار له قد لا يقبله الله.
والواو في (وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ) يجوز أن تكون للحال أو للعطف. والمعنى متقارب ، ومعنى الحال أوضح وهو تذييل.
ومعنى الملك في قوله : (وَما أَمْلِكُ) القدرة ، وتقدم في قوله تعالى : (قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيْئاً) في سورة العقود [١٧].
و (مِنْ شَيْءٍ) عامّ للمغفرة المسئولة وغيرها مما يريده الله به.
(رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ).
الأظهر أن يكون هذا من كلام إبراهيم وقومه وجملة (إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ) إلى آخرها معترضة بين أجزاء القول فهو مما أمر المسلمون أن يأتسوا به ، وبه يكون الكلام شديد
__________________
(١) في المطبوعة (الشعراء) وهو خطأ.