(رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنا رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٥))
(رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا).
الفتنة : اضطراب الحال وفساده ، وهي اسم مصدر فتجيء بمعنى المصدر كقوله تعالى: (وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ) ، [البقرة : ١٩١] وتجيء وصفا للمفتون والفاتن.
ومعنى جعلهم فتنة للذين كفروا : جعلهم مفتونين يفتنهم الذين كفروا ، فيصدق ذلك بأن يتسلط عليهم الذين كفروا فيفتنون كما قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ) [البروج : ١٠] إلخ. ويصدق أيضا بأن تختل أمور دينهم بسبب الذين كفروا ، أي بمحبتهم والتقرب منهم كقوله تعالى حكاية عن دعاء موسى (إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ) [الأعراف : ١٥٥].
وعلى الوجهين فالفتنة من إطلاق المصدر على اسم المفعول. وتقدم في قوله تعالى : (رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) في سورة يونس [٨٥].
واللام في (لِلَّذِينَ كَفَرُوا) على الوجهين للملك ، أي مفتونين مسخرين لهم.
ويجوز عندي أن تكون (فِتْنَةً) مصدرا بمعنى اسم الفاعل ، أي لا تجعلنا فاتنين ، أي سبب فتنة للذين كفروا ، فيكون كناية عن معنى لا تغلّب الذين كفروا علينا واصرف عنا ما يكون به اختلال أمرنا وسوء الأحوال كيلا يكون شيء من ذلك فاتنا الذين كفروا ، أي مقويا فتنتهم فيفتتنوا في دينهم ، أي يزدادوا كفرا وهو فتنة في الدين ، أي فيظنوا أنا على الباطل وأنهم على الحق ، وقد تطلق الفتنة على ما يفضي إلى غرور في الدين كما في قوله تعالى : (بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ) في سورة الزمر [٤٩] وقوله : (وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ) في سورة الأنبياء [١١١].
واللام على هذا الوجه لام التبليغ وهذه معان جمّة أفادتها الآية.
(وَاغْفِرْ لَنا رَبَّنا).
أعقبوا دعواتهم التي تعود إلى إصلاح دينهم في الحياة الدنيا بطلب ما يصلح أمورهم في الحياة الآخرة وما يوجب رضياللهعنهم في الدنيا فإن رضاه يفضي إلى عنايته بهم بتسيير أمورهم في الحياتين. وللإشعار بالمغايرة بين الدعوتين عطفت هذه الواو ولم تعطف التي قبلها.