يكون ماضيه من التولي بمعنى اتخاذ الولي ، أي من يتخذ عدو الله أولياء فإن الله غنيّ عن ولايته كما في قوله تعالى : (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) في سورة العقود [٥١].
وضمير الفصل في قوله : (هُوَ الْغَنِيُ) توكيد للحصر الذي أفاده تعريف الجزأين ، وهو حصر ادعائي لعدم الاعتداد بغنى غيره ولا بحمده ، أي هو الغني عن المتولين لأن النهي عما نهوا عنه إنما هو لفائدتهم لا يفيد الله شيئا فهو الغني عن كل شيء.
واتباع (الْغَنِيُ) بوصف (الْحَمِيدُ) تتميم ، أي الحميد لمن يمتثل أمره ولا يعرض عنه أو (الْحَمِيدُ) لمن لا يتخذ عدوه وليا على نحو قوله تعالى : (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ) [الزمر : ٧].
(عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللهُ قَدِيرٌ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٧))
اعتراض وهو استئناف متصل بما قبله من أول السورة خوطب به المؤمنون تسلية لهم على ما نهوا عنه من مواصلة أقربائهم ، بأن يرجوا من الله أن يجعل قطيعتهم آئلة إلى مودة بأن يسلم المشركون من قرابة المؤمنين وقد حقق الله ذلك يوم فتح مكة بإسلام أبي سفيان والحارث بن هشام وسهيل بن عمرو وحكيم بن حزام.
قال ابن عباس : كان من هذه المودة تزوج النبي صلىاللهعليهوسلم أمّ حبيبة بنت أبي سفيان ، تزوجها بعد وفاة زوجها عبد الله بن جحش بأرض الحبشة بعد أن تنصّر زوجها فلما تزوجها النبي صلىاللهعليهوسلم لانت عريكة أبي سفيان وصرح بفضل النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : «ذلك الفحل لا يقدع أنفه» (روي بدال بعد القاف يقال : قدع أنفه. إذا ضرب أنفه بالرّمح) وهذا تمثيل ، كانوا إذا نزا فحل غير كريم على ناقة كريمة دفعوه عنها بضرب أنفه بالرمح لئلا يكون نتاجها هجينا. وإذا تقدم أن هذه السورة نزلت عام فتح مكة وكان تزوج النبي صلىاللهعليهوسلم أمّ حبيبة في مدة مهاجرتها بالحبشة وتلك قبل فتح مكة كما صرح به ابن عطية وغيره. يعني فتكون آية (عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ) إلخ نزلت قبل نزول أول السورة ثم ألحقت بالسورة.
وإما أن يكون كلام ابن عباس على وجه المثال لحصول المودة مع بعض المشركين ، وحصول مثل تلك المودة يهيّئ صاحبه إلى الإسلام واستبعد ابن عطية صحة ما روي عن ابن عباس.