و (عَسَى) فعل مقاربة وهو مستعمل هنا في رجاء المسلمين ذلك من الله أو مستعملة في الوعد مجردة عن الرجاء. قال في «الكشاف» : كما يقول الملك في بعض الحوائج عسى أو لعل فلا تبقى شبهة للمحتاج في تمام ذلك.
وضمير (مِنْهُمْ) عائد إلى العدوّ من قوله : (لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ) [الممتحنة : ١].
وجملة (وَاللهُ قَدِيرٌ) تذييل. والمعنى : أنه شديد القدرة على أن يغير الأحوال فيصير المشركون مؤمنين صادقين وتصيرون أودّاء لهم.
وعطف على التذييل جملة (وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ، أي يغفر لمن أنابوا إليه ويرحمهم فلا عجب أن يصيروا أودّاء لكم كما تصيرون أوداء لهم.
(لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٨))
استئناف هو منطوق لمفهوم الأوصاف التي وصف بها العدوّ في قوله تعالى : (وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ) [الممتحنة : ١] وقوله : (إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ) [الممتحنة : ٢] ، المسوقة مساق التعليل للنهي عن اتخاذ عدوّ الله أولياء ، استثنى الله أقواما من المشركين غير مضمرين العداوة للمسلمين وكان دينهم شديد المنافرة مع دين الإسلام.
فإن نظرنا إلى وصف العدوّ من قوله : (لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ) وحملناه على حالة معاداة من خالفهم في الدين ونظرنا مع ذلك إلى وصف (يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ) ، كان مضمون قوله : (لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ) إلى آخره ، بيانا لمعنى العداوة المجعولة علة للنهي عن الموالاة وكان المعنى أن مناط النهي هو مجموع الصفات المذكورة لا كل صفة على حيالها.
وإن نظرنا إلى أن وصف العدوّ هو عدوّ الدين ، أي مخالفة في نفسه مع ضميمة وصف (وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِ) ، كان مضمون (لا يَنْهاكُمُ اللهُ) إلى آخره تخصيصا للنهي بخصوص أعداء الدين الذين لم يقاتلوا المسلمين لأجل الدين ولم يخرجوا المسلمين من ديارهم.
وأيّا ما كان فهذه الجملة قد أخرجت من حكم النهي القوم الذين لم يقاتلوا في