وقد روي أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال للذين سألوه إرجاع النساء المؤمنات وطلبوا تنفيذ شروط الصّلح : إنما الشرط في الرجال لا في النساء فكانت هذه الآية تشريعا للمسلمين فيما يفعلونه إذا جاءهم المؤمنات مهاجرات وإيذانا للمشركين بأن شرطهم غير نص ، وشأن شروط الصلح الصراحة لعظم أمر المصالحات والحقوق المترتبة عليها ، وقد أذهل الله المشركين عن الاحتياط في شرطهم ليكون ذلك رحمة بالنساء المهاجرات إذ جعل لهن مخرجا وتأييدا لرسول صلىاللهعليهوسلم كما في الآية التي بعدها لقصد أن يشترك من يمكنه الاطّلاع من المؤمنين على صدق إيمان المؤمنات المهاجرات تعاونا على إظهار الحق ، ولأن ما فيها من التكليف يرجع كثير منه إلى أحوال المؤمنين مع نسائهم.
والامتحان : الاختبار. والمراد اختبار إيمانهن.
وجملة (اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَ) معترضة ، أي أن الله يعلم سرائرهنّ ولكن عليكم أن تختبروا ذلك بما تستطيعون من الدلائل.
ولذلك فرع على ما قبل الاعتراض قوله : (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ) إلخ ، أي إن حصل لكم العلم بأنهن مؤمنات غير كاذبات في دعواهن. وهذا الالتحاق هو الذي سمي المبايعة في قوله في الآية الآتية : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللهِ) الآية [الممتحنة : ١٢].
وفي «صحيح البخاري» عن عائشة : أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان يمتحن من هاجر من المؤمنات بهذه الآية يقول الله : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ) إلى قوله : (غَفُورٌ رَحِيمٌ) [الممتحنة : ١٢] وزاد ابن عباس فقال : كانت الممتحنة أن تستحلف أنها ما خرجت بغضا لزوجها ، ولا رغبة من أرض إلى أرض ، ولا التماس دنيا ، ولا عشقا لرجل منّا ، ولا بجريرة جرتها بل حبا لله ولرسوله والدار الآخرة ، فإذا حلفت بالله الذي لا إله إلّا هو على ذلك أعطى النبي صلىاللهعليهوسلم زوجها مهرها وما أنفق عليها ولم يردها. وكان النبي صلىاللهعليهوسلم يأمر عمر بن الخطاب بتولّي تحليفهن فإذا تبين إيمان المرأة لم يردها النبي صلىاللهعليهوسلم إلى دار الكفر كما هو صريح الآية. (فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَ).
وموقع قوله : (لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَ) موقع البيان والتفصيل للنهي في قوله : (فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ) تحقيقا لوجوب التفرقة بين المرأة المؤمنة وزوجها الكافر.
وإذ قد كان المخاطب بذلك النهي جميع المؤمنين كما هو مقتضى قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ) إلى آخره ، تعين أن يقوم بتنفيذه من إليه تنفيذ أمور