التوسعة على الناس ، فعلمنا أن مقصد الشريعة الإسلامية أن تدور أحكام الظهار على محور التخفيف والتوسعة ، فعلى هذا الاعتبار يجب أن يجري الفقهاء فيما يفتون. ولذلك لا ينبغي أن تلاحظ فيه قاعدة الأخذ بالأحوط ولا قاعدة سدّ الذريعة ، بل يجب أن نسير وراء ما أضاء لنا قوله تعالى : (وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ).
وقد قال مالك في «المدونة» : لا يقبّل المظاهر ولا يباشر ولا ينظر إلى صدر ولا إلى شعر. قال الباجي في «المنتقى» : فمن أصحابنا من حمل ذلك على التحريم ، ومنهم من حمله على الكراهة لئلا يدعوه إلى الجماع. وبه قال الشافعي وعبد الملك.
قلت : وهذا هو الوجه لأن القرآن ذكر المسيس وهو حقيقة شرعية في الجماع. وقال مالك : لو تظاهر من أربع نسوة بلفظ واحد في مجلس واحد لم تجب عليه إلا كفارة واحدة عند مالك قولا واحدا. وعند أبي حنيفة والشافعي في أحد قوليهما.
والمقصود من هذه الآية إبطال تحريم المرآة التي يظاهر منها زوجها. وتحميق أهل الجاهلية الذين جعلوا الظهار محرّما على المظاهر زوجه التي ظاهر منها.
وجعل الله الكفارة فدية لذلك وزجرا ليكفّ الناس عن هذا القول.
ومن هذا المعنى قول النبي صلىاللهعليهوسلم : «من قال لصاحبه : تعالى أقامرك فليتصدق» أي من جرى ذلك على لسانه بعد أن حرم الله الميسر.
(وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٣))
عطف على جملة (الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ) [المجادلة : ٢] أعيد المبتدأ فيها للاهتمام بالحكم والتصريح بأصحابه وكان مقتضى الكلام أن يقال : فإن يعودوا لما قالوا فتحرير رقبة ، فيكون عطفا على جملة الخبر من قوله : (ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ) [المجادلة : ٢].
و (ثُمَ) عاطفة جملة (يَعُودُونَ) على جملة (يُظاهِرُونَ) ، وهي للتراخي الرتبي تعريضا بالتخطئة لهم بأنهم عادوا إلى ما كانوا يفعلونه في الجاهلية بعد أن انقطع ذلك بالإسلام. ولذلك علق بفعل (يَعُودُونَ) ما يدل على قولهم لفظ الظهار.
والعود : الرجوع إلى شيء تركه وفارقه صاحبه. وأصله : الرجوع إلى المكان الذي