لكم على إرجاعها إليكم تسألون المشركين إرجاع مهرها إلى زوجها المسلم الذي فرّت منه وهذا إنصاف بين الفريقين ، والأمر للإباحة.
وقوله : (وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا) تكملة لقوله : (وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ) لإفادة أن معنى واو العطف هنا على المعية بالقرينة لأن قوله : (وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا) لو أريد حكمه بمفرده لكان مغنيا عنه قوله : (وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا) ، فلما كرر عقب قوله : (وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ) علمنا أن المراد جمع مضمون الجملتين ، أي إذا أعطوا ما عليهم أعطوهم ما عليكم وإلا فلا. فالواو مفيدة معنى المعية هنا بالقرينة. وينبغي أن يحمل عليه ما قاله بعض الحنفية من أن معنى واو العطف المعية. قال إمام الحرمين في البرهان في معاني الواو : «اشتهر من مذهب الشافعي أنها للترتيب وعند بعض الحنفية أنها للمعية. وقد زل الفريقان» اه. وقد أشار إليه في «مغني اللبيب» ولم يرده. وقال المازري في «شرح البرهان» : «وأما قولهم : لا تأكل السمك وتشرب اللبن» ، فإن المراد النهي عن تناول السمك وتناول اللبن فيكون الإعراب مختلفا فإذا قال : وتشرب اللبن بفتح الباء كان نهيا عن الجمع ويكون الانتصاب بمعنى تقدير حرف (أن) اه. وهو يرمي إلى أن هذا المحمل يحتاج إلى قرينة.
فأفاد قوله : (وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا) أنهم إن أبوا من دفع مهور نساء المسلمين يفرّون إليهم كان ذلك مخوّلا للمؤمنين أن لا يعطوهم مهور من فرّوا من أزواجهم إلى المسلمين ، كما يقال في الفقه : خيرته تنفي ضرره.
(ذلِكُمْ حُكْمُ اللهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ).
أي هذا حكم الله ، وهو عدل بين الفريقين إذ ليس لأحد أن يأخذ بأحد جانبيه ويترك الآخر. قال الزهري : لو لا العهد لأمسك النساء ولم يردّ إلى أزواجهم صداق. وجملة (يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ) يجوز كونها حالا من اسم الجلالة أو حالا من (حُكْمُ اللهِ) مع تقدير ضمير يربط الجملة بصاحب الحال تقديره : يحكمه بينكم ، وأن تكون استئنافا.
وقوله : (وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) تذييل يشير إلى أن هذا حكم يقتضيه علم الله بحاجات عباده وتقتضيه حكمته إذ أعطى كل ذي حق حقّه.
وقد كانت هذه الأحكام التي في هذه الآيات من الترادّ في المهور شرعا في أحوال مخصوصة اقتضاها اختلاط الأمر بين أهل الشرك والمؤمنين وما كان من عهد المهادنة بين المسلمين والمشركين في أوائل أمر الإسلام خاصّا بذلك الزمان بإجماع أهل العلم ، قاله