رسول الله صلىاللهعليهوسلم وعرفها فدعاها فأتته فعاذت به ، وقالت : فاعف عما سلف يا نبيء الله عفا الله عنك. فقال : (وَلا يَزْنِينَ). فقالت : أو تزني الحرّة. قال : (وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَ). فقالت هند : ربيناهم صغارا وقتلتهم كبارا فأنتم وهم أعلم. تريد أن المسلمين قتلوا ابنها حنظلة بن أبي سفيان يوم بدر. فتبسم رسول الله صلىاللهعليهوسلم. فقال : (وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ). فقالت : والله إن البهتان لأمر قبيح وما تأمرنا إلا بالرشد ومكارم الأخلاق. فقال: (وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ). فقالت : والله ما جلسنا مجلسنا هذا وفي أنفسنا أن نعصيك في شيء.
فقوله : (وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ). جامع لكل ما يخبر به النبيصلىاللهعليهوسلم ويأمر به مما يرجع إلى واجبات الإسلام. وفي الحديث عن أم عطية قالت : كان من ذلك : أن لا ننوح. قالت : فقلت يا رسول الله إلا آل فلان فإنهم كانوا أسعدوني في الجاهلية فلا بدّ أن أسعدهم. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : إلّا آل فلان ، وهذه رخصة خاصة بأم عطية وبمن سمّتهم. وفي يوم معيّن.
وقوله : (فَبايِعْهُنَ) جواب (إِذا) تفريع على (يُبايِعْنَكَ) ، أي فأقبل منهنّ ما بايعنك عليه لأن البيعة عنده من جانبين ولذلك صيغت لها صيغة المفاعلة.
(وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللهَ) ، أي فيما فرط منهنّ في الجاهلية مما خص بالنهي في شروط البيعة وغير ذلك. ولذلك حذف المفعول الثاني لفعل (اسْتَغْفِرْ).
اللهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ (١٣))
بعد أن استقصت السورة إرشاد المسلمين إلى ما يجب في المعاملة مع المشركين ، جاء في خاتمتها الإرشاد إلى المعاملة مع قوم ليسوا دون المشركين في وجوب الحذر منهم وهم اليهود ، فالمراد بهم غير المشركين إذ شبه يأسهم من الآخرة بيأس الكفار ، فتعين أن هؤلاء غير المشركين لئلا يكون من تشبيه الشيء بنفسه.
وقد نعتهم الله بأنهم قوم غضب الله عليهم ، وهذه صفة تكرر في القرآن إلحاقها باليهود كما جاء في سورة الفاتحة أنهم المغضوب عليهم. فتكون هذه الآية مثل قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِياءَ) في سورة العقود [٥٧].