وهو خبر عن كون قولهم : (ما لا تَفْعَلُونَ) أمرا كبيرا في جنس المقت.
والكبر : مستعار للشدة لأن الكبير فيه كثرة وشدة في نوعه.
و (أَنْ تَقُولُوا) فاعل (كَبُرَ).
والمقت : البغض الشديد. وهو هنا بمعنى اسم المفعول.
وانتصب (مَقْتاً) على التمييز لجهة الكبر. وهو تمييز نسبة.
والتقدير : كبر ممقوتا قولكم ما لا تفعلونه.
ونظم هذا الكلام بطريقة الإجمال ثم التفصيل بالتمييز لتهويل هذا الأمر في قلوب السامعين لكون الكثير منهم بمظنة التهاون في الحيطة منه حتى وقعوا فيما وقعوا يوم أحد. ففيه وعيد على تجدد مثله ، وزيد المقصود اهتماما بأن وصف المقت بأنه عند الله ، أي مقت لا تسامح فيه.
وعدل عن جعل فاعل (كَبُرَ) ضمير القول بأن يقتصر على (كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ) أو يقال : كبر ذلك مقتا ، لقصد زيادة التهويل بإعادة لفظه ، ولإفادة التأكيد.
و (ما) في قوله : (ما لا تَفْعَلُونَ) في الموضعين موصولة ، وهي بمعنى لام العهد ، أي الفعل الذي وعدتم أن تفعلوه وهو أحبّ الأعمال إلى الله أو الجهاد. فاقتضت الآية أن الوعد في مثل هذا يجب الوفاء به لأن الموعود به طاعة فالوعد به من قبيل النذر المقصود منه القربة فيجب الوفاء به.
(إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ (٤))
هذا جواب على تمنيهم معرفة أحب الأعمال إلى الله كما في حديث عبد الله بن سلام عند الترمذي المتقدم وما قبله توطئة له على أسلوب الخطب ومقدماتها.
والصف : عدد من أشياء متجانبة منتظمة الأماكن ، فيطلق على صف المصلين ، وصفّ الملائكة ، وصف الجيش في ميدان القتال بالجيش إذا حضر القتال كان صفّا من رجّالة أو فرسان ثم يقع تقدم بعضهم إلى بعض فرادى أو زرافات.
فالصفّ هنا : كناية عن الانتظام والمقاتلة عن تدبّر.