وأما حركات القتال فتعرض بحسب مصالح الحرب في اجتماع وتفرق وكرّ وفرّ. وانتصب (صَفًّا) على الحال بتأويل : صافّين ، أو مصفوفين.
والمرصوص : المتلاصق بعضه ببعض. والتشبيه في الثبات وعدم الانفلات وهو الذي اقتضاه التوبيخ السابق في قوله : (لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ) [الصف : ٢].
(وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (٥))
موقع هذه الآية هنا خفي المناسبة. فيجوز أن تكون الجملة معترضة استئنافا ابتدائيا انتقل به من النهي عن عدم الوفاء بما وعدوا الله عليه إلى التعريض بقوم آذوا النبيصلىاللهعليهوسلم بالقول أو بالعصيان أو نحو ذلك ، فيكون الكلام موجها إلى المنافقين ، فقد وسموا بأذى الرسول صلىاللهعليهوسلم قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) [الأحزاب : ٥٧] الآية. وقوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) [التوبة : ٦١] وقوله : (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ) [التوبة : ٦١].
وعلى هذا الوجه فهو اقتضاب نقل به الكلام من الغرض الذي قبله لتمامه إلى هذا الغرض ، أو تكون مناسبة وقعه في هذا الموقع حدوث سبب اقتضى نزوله من أذى قد حدث لم يطلع عليه المفسرون ورواة الأخبار وأسباب النزول.
والواو على هذا الوجه عطف غرض على غرض. وهو المسمّى بعطف قصة على قصة.
ويجوز أن يكون من تتمة الكلام الذي قبلها ضرب الله مثلا للمسلمين لتحذيرهم من إتيان ما يؤذي رسوله صلىاللهعليهوسلم ويسوؤه من الخروج عن جادة الكمال الديني مثل عدم الوفاء بوعدهم في الإتيان بأحبّ الأعمال إلى الله تعالى. وأشفقهم من أن يكون ذلك سببا للزيغ والضلال كما حدث لقوم موسى لمّا آذوه.
وعلى هذا الوجه فالمراد بأذى قوم موسى إياه : عدم توخي طاعته ورضاه ، فيكون ذلك مشيرا إلى ما حكاه الله عنه من قوله : (يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ) [المائدة : ٢١] ، إلى قوله : (قالُوا يا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ) [المائدة : ٢٤].