لا يستقيم في مثل قوله تعالى : (وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ) [يوسف : ١٧] ، إذ لا يقال : هذا إذا كنّا كاذبين ، بل ولو كنا صادقين. وكذلك ما في هذه الآية لأن المعنى : والله متمّ نوره على فرض كراهة الكافرين ، ولما كانت كراهة الكافرين إتمام هذا النور محققة كان سياقها في صورة الأمر المفروض تهكما. وتقدم استعمال (لو) هذه عند قوله تعالى : (فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ) في سورة آل عمران [٩١].
وإنما كانت كراهية الكافرين ظهور نور الله حالة يظنّ انتفاء تمام النور معها ، لأن تلك الكراهية تبعثهم على أن يتألبوا على إحداث العراقيل وتضليل المتصدين للاهتداء وصرفهم عنه بوجوه المكر والخديعة والكيد والإضرار.
وشمل لفظ (الْكافِرُونَ) جميع الكافرين بالإسلام من المشركين وأهل الكتاب وغيرهم.
ولكن غلب اصطلاح القرآن على تخصيص وصف الكافرين بأهل الكتاب ومقابلتهم بالمشركين أو الظالمين ويتجه على هذا أن يكون الاهتمام بذكر هؤلاء بعد (لَوْ) الوصلية لأن المقام لإبطال مرادهم إطفاء نور الله فإتمام الله نوره إبطال لمرادهم إطفاءه. وسيرد بعد هذا ما يبطل مراد غيرهم من المعاندين وهم المشركون.
وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر وأبو بكر عن عاصم (مُتِمُّ نُورِهِ) بتنوين (مُتِمُ) ونصب (نُورِهِ). وقرأه ابن كثير وحمزة والكسائي وحفص وخلف بدون تنوين وجرّ (نُورِهِ) على إضافة اسم الفاعل على مفعوله وكلاهما فصيح.
(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ(٩))
هذا زيادة تحدّ للمشركين وأحلافهم من أهل الكتاب فيه تقوية لمضمون قوله : (وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) [الصف : ٨]. وفيه معنى التعليل للجملة التي قبله. فقد أفاد تعريف الجزأين في قوله : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ) قصرا إضافيا لقلب زعم الكافرين أن محمّدا صلىاللهعليهوسلم أتى من قبل نفسه ، أي الله لا غيره أرسل محمدا صلىاللهعليهوسلم بالهدى ودين الحق. وأن شيئا تولى الله فعله لا يستطيع أحد أن يزيله.