وتعليل ذلك بقوله : (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) إعلام بأن الله أراد ظهور هذا الدين وانتشاره كيلا يطمعوا أن يناله ما نال دين عيسى عليهالسلام من القمع والخفت في أول أمره واستمر زمانا طويلا حتى تنصّر قسطنطين سلطان الروم ، فلما أخبر الله بأنه أراد إظهار دين الإسلام على جميع الأديان علم أن أمره لا يزال في ازدياد حتى يتمّ المراد.
والإظهار : النصر ويطلق على التفضيل والإعلاء المعنوي.
والتعريف في قوله : (عَلَى الدِّينِ) تعريف الجنس المفيد للاستغراق ، أي ليعلي هذا الدين الحق على جميع الأديان وينصر أهله على أهل الأديان الأخرى الذين يتعرضون لأهل الإسلام.
ويظهر أن لفظ (الدِّينِ) مستعمل في كلا معنييه : المعنى الحقيقي وهو الشريعة. والمعنى المجازي وهو أهل الدّين كما تقول : دخلت قرية كذا وأكرمتني ، فإظهار الدين على الأديان بكونه أعلى منها تشريعا وآدابا ، وأصلح بجميع الناس لا يخص أمة دون أخرى ولا جيلا دون جيل.
وإظهار أهله على أهل الأديان بنصر أهله على الذين يشاقّونهم في مدة ظهوره حتى يتمّ أمره ويستغني عمن ينصره.
وقد تمّ وعد الله وظهر هذا الدين وملك أهله أمما كثيرة ثم عرضت عوارض من تفريط المسلمين في إقامة الدين على وجهه فغلبت عليهم أمم ، فأمّا الدين فلم يزل عاليا مشهودا له من علماء الأمم المنصفين بأنه أفضل دين للبشر.
وخص المشركون بالذكر هنا إتماما للذين يكرهون إتمام هذا النور ، وظهور هذا الدين على جميع الأديان. ويعلم أن غير المشركين يكرهون ظهور هذا الدين لأنهم أرادوا إطفاء نور الدين لأنهم يكرهون ظهور هذا الدين فحصل في الكلام احتباك.
[١٠ ـ ١٢] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (١٠) تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١١) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٢))
هذا تخلص إلى الغرض الذي افتتحت به السورة من قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ) إلى قوله : (كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ) [الصف : ٢ ـ ٤]. فبعد أن ضربت