(وَأُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (١٣))
(وَأُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ).
عطف على جملة (يَغْفِرْ لَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ) [الصف : ١٢] عطف الاسمية على الفعلية. وجيء بالاسمية لإفادة الثبوت والتحقق. ف (أُخْرى) مبتدأ خبره محذوف دل عليه قوله : (لَكُمْ) من قوله : (يَغْفِرْ لَكُمْ). والتقدير : أخرى لكم ، ولك أن تجعل الخبر قوله : (نَصْرٌ مِنَ اللهِ).
وجيء به وصفا مؤنثا بتأويل نعمة ، أو فضيلة ، أو خصلة مما يؤذن به قوله : (يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) [الصف : ١٢] إلى آخره من معنى النعمة والخصلة كقوله تعالى : (وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها) في سورة الفتح [٢١].
ووصف (أُخْرى) بجملة (تُحِبُّونَها) إشارة إلى الامتنان عليهم بإعطائهم ما يحبون في الحياة الدنيا قبل إعطاء نعيم الآخرة. وهذا نظير قوله تعالى : (فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها) [البقرة : ١٤٤].
و (نَصْرٌ مِنَ اللهِ) بدل من (أُخْرى) ، ويجوز أن يكون خبرا عن (أُخْرى). والمراد به النصر العظيم ، وهو نصر فتح مكة فإنه كان نصرا على أشد أعدائهم الذين فتنوهم وآذوهم وأخرجوهم من ديارهم وأموالهم وألّبوا عليهم العرب والأحزاب. وراموا تشويه سمعتهم ، وقد انضم إليه نصر الدين بإسلام أولئك الذين كانوا من قبل أئمة الكفر ومساعير الفتنة ، فأصبحوا مؤمنين إخوانا وصدق الله وعده بقوله : (عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً) [الممتحنة : ٧] وقوله : (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً) [آل عمران : ١٠٣].
وذكر اسم الجلالة يجوز أن يكون إظهارا في مقام الإضمار على احتمال أن يكون ضمير التكلم في قوله : (هَلْ أَدُلُّكُمْ) [الصف : ١٠] كلاما من الله تعالى ، ويجوز أن يكون جاريا على مقتضى الظاهر إن كان الخطاب أمر به رسول الله صلىاللهعليهوسلم بتقدير «قل».
ووصف الفتح ب (قَرِيبٌ) تعجيل بالمسرة.
وهذه الآية من معجزات القرآن الراجعة إلى الإخبار بالغيب.
(وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ).