يجوز أن تكون عطفا على مجموع الكلام الذي قبلها ابتداء من قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ) [الصف : ١٠] على احتمال أن ما قبلها كلام صادر من جانب الله تعالى ، عطف غرض على غرض فيكون الأمر من الله لنبيه صلىاللهعليهوسلم بأن يبشر المؤمنين. ولا يتأتى في هذه الجملة فرض عطف الإنشاء على الإخبار إذ ليس عطف جملة بل جملة على جملة على مجموع جمل على نحو ما اختاره الزمخشري عند تفسير قوله تعالى : (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ) الآية في أوائل سورة البقرة [٢٥] وما بيّنه من كلام السيد الشريف في حاشية «الكشاف».
وأما على احتمال أن يكون قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ) إلى آخره مسوقا لأمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم بأن يقول : (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ) بتقدير قول محذوف ، أي قل يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم ، إلى آخره ، فيكون الأمر في (وَبَشِّرِ) التفاتا من قبيل التجريد. والمعنى : وأبشّر المؤمنين.
وقد تقدم القول في عطف الإنشاء على الإخبار عند قوله تعالى : (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) في أوائل سورة البقرة [٢٥].
والذي استقر عليه رأيي الآن أن الاختلاف بين الجملتين بالخبرية والإنشائية اختلاف لفظي لا يؤثر بين الجملتين اتصالا ولا انقطاعا لأن الاتصال والانقطاع أمران معنويان وتابعان للأغراض فالعبرة بالمناسبة المعنوية دون الصيغة اللفظية وفي هذا مقنع حيث فاتني التعرض لهذا الوجه عند تفسير آية سورة البقرة (١).
__________________
(١) في قوله تعالى : وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا إلى قوله : وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ.
في «الكشاف» (فإن قلت : علام عطف هذا الأمر ـ أي (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا) ـ ولم يسبق أمر أو نهي يصح عطفه عليه؟ قلت : ليس الذي اعتمد بالعطف هو الأمر حتى يطلب له مشاكل من أمر أو نهي ـ أي مشاكل إنشائي ـ يعطف عليه إنما المعتمد بالعطف هو جملة وصف ثواب المؤمنين فهي معطوفة على جملة وصف عقاب الكافرين) ا ه.
قال السيد في «حاشية الكشاف» : (العطف قد يكون بين المفردات وما في حكمها من الجمل التي لها محلّ من الإعراب. وقد يكون بين الجمل التي لا محلّ لها ، وقد يكون بين قصتين بأن يعطف مجموع جمل متعددة مسوقة لمقصود ، على مجموع جمل أخرى مسوقة لمقصود آخر ، فيعتبر حينئذ التناسب بين القصتين دون آحاد الجمل الواقعة فيهما.