و (إِلَى اللهِ) متعلق ب (أَنْصارِي). ومعنى (إِلَى) الانتهاء المجازي ، أي متوجهين إلى الله ، شبه دعاؤهم إلى الدين وتعليمهم الناس ما يرضاه الله لهم بسعي ساعين إلى الله لينصروه كما يسعى المستنجد بهم إلى مكان مستنجدهم لينصروه على من غلبه.
ففي حرف (إِلَى) استعارة تبعية ، ولذلك كان الجواب المحكي عن الحواريين مطابقا للاستفهام إذ قالوا : نحن أنصار الله ، أي نحن ننصر الله على من حادّه وشاقّه ، أي ننصر دينه.
و (الْحَوارِيُّونَ) : جمع حواري بفتح الحاء وتخفيف الواو وهي كلمة معربة عن الحبشية (حواريا) وهو الصاحب الصفي ، وليست عربية الأصل ولا مشتقة من مادة عربية ، وقد عدها الضحاك في جملة الألفاظ المعرّبة لكنه قال : إنها نبطية. ومعنى الحواري : الغسّال ، كذا في «الإتقان».
و (الْحَوارِيُّونَ) : اسم أطلقه القرآن على أصحاب عيسى الاثني عشر ، ولا شك أنه كان معروفا عند نصارى العرب أخذوه من نصارى الحبشة. ولا يعرف هذا الاسم في الأناجيل.
وقد سمى النبي صلىاللهعليهوسلم الزبير بن العوام حواريّه على التشبيه بأحد الحواريين فقال : «لكل نبيء حواري وحواري الزبير». وقد تقدم ذكر الحواريين في قوله تعالى : (قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ) في سورة آل عمران [٥٢].
واعلم أن مقالة عيسى عليهالسلام المحكية في هذه الآية غير مقالته المحكية في آية آل عمران فإن تلك موجهة إلى جماعة بني إسرائيل الذين أحسّ منهم الكفر لمّا دعاهم إلى الإيمان به. أمّا مقالته المحكية هنا فهي موجهة للذين آمنوا به طالبا منهم نصرته لقوله تعالى : (كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ) الآية ، فلذلك تعين اختلاف مقتضى الكلامين المتماثلين.
وعلى حسب اختلاف المقامين يجرى اختلاف اعتبار الخصوصيات في الكلامين وإن كانا متشابهين فقد جعلنا هنالك إضافة (أَنْصارُ اللهِ) [آل عمران : ٥٢] إضافة لفظية وبذلك لم يكن قولهم : (نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ) مفيدا للقصر لانعدام تعريف المسند. فأما هنا فالأظهر أن كلمة (أَنْصارَ اللهِ) اعتبرت لقبا للحواريين عرّفوا أنفسهم به وخلعوه على أنفسهم فلذلك أرادوا الاستدلال به على أنهم أحق الناس بتحقيق معناه ، ولذلك تكون إضافة (أَنْصارَ)