وإطلاق الحمل وما تصرف منه على هذا المعنى استعارة ، بتشبيه إيكال الأمر بحمل الحمل على ظهر الدابة ، وبذلك كان تمثيل حالهم بحال الحمار يحمل أسفارا تمثيلا للمعنى المجازي بالمعنى الحقيقي. وهو من لطائف القرآن.
و (ثُمَ) للتراخي الرتبي فإن عدم وفائهم بما عهد إليهم أعجب من تحملهم إياه. وجملة (يَحْمِلُ أَسْفاراً) في موضع الحال من الحمار أو في موضع الصفة لأن تعريف الحمار هنا تعريف جنس فهو معرفة لفظا نكرة معنى ، فصحّ في الجملة اعتبار الحاليّة والوصف.
وهذا التمثيل مقصود منه تشنيع حالهم وهو من تشبيه المعقول بالمحسوس المتعارف ، ولذلك ذيل بذم حالهم (بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ).
و (بِئْسَ) فعل ذم ، أي ساء حال الذين كذبوا بكتاب الله فهم قد ضموا إلى جهلهم بمعاني التوراة تكذيبا بآيات الله وهي القرآن.
و (مَثَلُ الْقَوْمِ) ، فاعل (بِئْسَ). وأغنى هذا الفاعل عن ذكر المخصوص بالذم لحصول العلم بأن المذموم هو حال القوم المكذبين فلم يسلك في هذا التركيب طريق الإبهام على شرط التفسير لأنه قد سبقه ما بينه بالمثل المذكور قبله في قوله : (كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً). فصار إعادة لفظ المثل ثقيلا في الكلام أكثر من ثلاث مرات. وهذا من تفننات القرآن. و (الَّذِينَ كَذَّبُوا) صفة (الْقَوْمِ).
وجملة (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) تذييل إخبارا عنهم بأن سوء حالهم لا يرجى لهم منه انفكاك لأن الله حرمهم اللطف والعناية بإنقاذهم لظلمهم بالاعتداء على الرسولصلىاللهعليهوسلم بالتكذيب دون نظر ، وعلى آيات الله بالجحد دون تدبر.
قال في «الكشاف» : «وعن بعضهم قد أبطل الله قول اليهود في ثلاث» ، أي آيات من هذه السورة : افتخروا بأنهم أولياء الله وأحباؤه فكذبهم في قوله : (فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [الجمعة : ٦]. وبأنهم أهل الكتاب والعرب لا كتاب لهم ، فشبههم بالحمار يحمل أسفارا ، وبالسبت وأنه ليس للمسلمين مثله فشرع الله لهم الجمعة.
(قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٦))