(قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٨))
تصريح بما اقتضاه التذييل من الوعيد وعدم الانفلات من الجزاء عن أعمالهم ولو بعد زمان وقوعها لأن طول الزمان لا يؤثر في علم الله نسيانا ، إذ هو عالم الغيب والشهادة. وموقع هذه الجملة موقع بدل الاشتمال من جملة (فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [الجمعة : ٦] ، وإعادة فعل (قُلْ) من قبيل إعادة العامل في المبدل منه كقوله تعالى : (تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا) في سورة العقود [١١٤].
ووصف (الْمَوْتَ) ب (الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ) للتنبيه على أن هلعهم من الموت خطأ كقول علقمة :
إن الذين ترونهم إخوانكم |
|
يشفي غليل صدورهم أن تصرعوا |
وأطلق الفرار على شدة الحذر على وجه الاستعارة.
واقتران خبر (إن) بالفاء في قوله : (فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ) لأن اسم (إن) نعت باسم الموصول والموصول كثيرا ما يعامل معاملة الشرط فعومل اسم (إن) المنعوت بالموصول معاملة نعته.
وإعادة (إنّ) الأولى لزيادة التأكيد كقول جرير :
إن الخليفة إن الله سربله |
|
سربال ملك به تزجى الخواتيم |
وتقدم عند قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً) في سورة الكهف [٣٠]. وفي سورة الحج أيضا.
والإنباء بما كانوا يعملون كناية عن الحساب عليه ، وهو تعريض بالوعيد.
[٩ ، ١٠] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٩) فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٠))
هذه الآيات هي المقصود من السورة وما قبلها مقدمات وتوطئات لها كما ذكرناه آنفا. وقد تقدم ما حكاه «الكشاف» من أن اليهود افتخروا على المسلمين بالسبت فشرع الله