وجملة (إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) تذييل لتفظيع حالهم عن السامع. وساء من أفعال الذم تلحق ببئس على تقدير تحويل صيغة فعلها عن فعل المفتوح العين إلى فعل المضمومها لقصد إفادة الذم مع إفادة التعجب بسبب ذلك التحويل كما نبه عليه صاحب «الكشاف» وأشار إليه صاحب «التسهيل».
(ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ (٣))
جملة في موضع العلة لمضمون جملة (اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً) [المنافقون : ٢].
والإشارة إلى مضمون قوله : (إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) [المنافقون : ٢] ، أي سبب إقدامهم على الأعمال السيئة المتعجب من سوئها ، هو استخفافهم بالأيمان ومراجعتهم الكفر مرة بعد أخرى ، فرسخ الكفر في نفوسهم فتجرأت أنفسهم على الجرائم وضريت بها ، حتى صارت قلوبهم كالمطبوع عليها أن لا يخلص إليها الخير.
فقوله : (بِأَنَّهُمْ آمَنُوا) خبر عن اسم الإشارة. ومعنى الباء السببية. و (ثُمَ) للتراخي الرتبي فإن إبطال الكفر مع إظهار الإيمان أعظم من الكفر الصريح. وأن كفرهم أرسخ فيهم من إظهار أيمانهم.
ويجوز أن يراد مع ذلك التراخي في الزمن وهو المهلة.
فإسناد فعل (آمَنُوا) إليهم مع الإخبار عنهم قبل ذلك بأنهم كاذبون في قولهم : (نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ) [المنافقون : ١] مستعمل في حقيقته ومجازه فإن مراتب المنافقين متفاوتة في النفاق وشدة الكفر فمنهم من آمنوا لما سمعوا آيات القرآن أو لاحت لهم أنوار من النبي صلىاللهعليهوسلم لم تثبت في قلوبهم. ثم رجعوا إلى الكفر للوم أصحابهم عليهم أو لإلقائهم الشك في نفوسهم قال ابن عطية : وقد كان هذا موجودا. قلت : ولعل الذين تابوا وحسن إسلامهم من هذا الفريق. فهؤلاء إسناد الإيمان إليهم حقيقة.
ومنهم من خالجهم خاطر الإيمان فترددوا وقاربوا أن يؤمنوا ثم نكصوا على أعقابهم فشابه أول حالهم حال المؤمنين حين خطور الإيمان في قلوبهم.
ومنهم من أظهروا الإيمان كذبا وهذا هو الفريق الأكثر. وليس ما أظهروه في شيء من الإيمان وقد قال الله تعالى في مثلهم : (وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ) [التوبة : ٧٤] فسمّاه إسلاما ولم يسمّه إيمانا. ومنهم الذين قال الله تعالى فيهم : (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا