وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) [الحجرات : ١٤]. وإطلاق اسم الإيمان على مثل هذا الفريق مجاز بعلاقة الصورة وهو كإسناد فعل (يَحْذَرُ) في قوله تعالى : (يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ) الآية ، في سورة براءة [٦٤].
وعلى هذا الاعتبار يجوز أن يكون (ثُمَ) مستعملا في معنييه الأصلي والمجازي على ما يناسب محمل فعل (آمَنُوا).
ولو حمل المنافقون على واحد معيّن وهو عبد الله بن أبيّ جاز أن يكون ابن أبيّ آمن ثم كفر فيكون إسناد (آمَنُوا) حقيقة وتكون (ثُمَ) للتراخي في الزمان.
وتفريع (فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ) على قوله : (آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا) ، فصار كفرهم بعد الإيمان على الوجوه السابقة سببا في سوء أعمالهم بمقتضى باء السببية ، وسببا في انتفاء إدراكهم الحقائق النظرية بمقتضى فاء التفريع.
والفقه : فهم للحقائق الخفية.
والمعنى : أنهم لا يدركون دلائل الإيمان حتى يعلموا حقّيته.
(وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (٤))
(وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ).
هذا انتقال إلى وضح بعض أحوالهم التي لا يبرزونها إذا جاءوا إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ولكنها تبرز من مشاهدتهم ، فكان الوضح الأول مفتتحا ب (إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ) [المنافقون: ١] وهذا الوضح مفتتحا ب (إِذا رَأَيْتَهُمْ).
فجملة (وَإِذا رَأَيْتَهُمْ) معطوفة على جملة (فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ) [المنافقون : ٣] واقعة موقع الاحتراس والتتميم لدفع إيهام من يغره ظاهر صورهم.
واتبع انتفاء فقه عقولهم بالتنبيه على عدم الاغترار بحسن صورهم فإنها أجسام خالية عن كمال الأنفس كقول حسان ولعله أخذه من هذه الآية :
لا بأس بالقوم من طول ومن غلظ |
|
جسم البغال وأحلام العصافير |
وتفيد مع الاحتراس تنبيها على دخائلهم بحيث لو حذف حرف العطف من الجملتين