لصح وقوعهما موقع الاستئناف الابتدائي. ولكن أوثر العطف للتنبيه على أن هاتين صفتان تحسبان كمالا وهما نقيصتان لعدم تناسقهما مع ما شأنه أن يكون كمالا. فإن جمال النفس كجمال الخلقة إنما يحصل بالتناسب بين المحاسن وإلا فرّبما انقلب الحسن موجب نقص.
فالخطاب في هذه الآية لغير معيّن يشمل كل من يراهم ممن يظن أن تغرّه صورهم فلا يدخل فيه النبي صلىاللهعليهوسلم لأن الله قد أطلعه على أحوالهم وأوقفه على تعيينهم فهو كالخطاب الذي في قوله في سورة الكهف [١٨](لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً).
والظاهر أن المراد بضمير الجمع واحد معيّن أو عدد محدود إذ يبعد أن يكون جميع المنافقين أحاسن الصور. وعن ابن عباس : كان ابن أبيّ جسيما صحيحا صبيحا ذلق اللسان. وقال الكلبي : المراد ابن أبيّ والجد بن قيس ومعتب بن قشير كانت لهم أجسام ومنظر وفصاحة. وقال في «الكشاف» : وقوم من المنافقين في مثل صفة ابن أبيّ رؤساء المدينة.
وأجسام : جمع جسم بكسر الجيم وسكون السين وهو ما يقصد بالإشارة إليه أو ما له طول وعرض وعمق. وتقدم في قوله تعالى : (وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ) في سورة البقرة [٢٤٧]. وجملة (وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ) معترضة بين جملة (وَإِذا رَأَيْتَهُمْ) إلخ وبين جملة (كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ).
والمراد بالسّماع في قوله : (تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ) الإصغاء إليهم لحسن إبانتهم وفصاحة كلامهم مع تغريرهم بحلاوة معانيهم تمويه حالهم على المسلمين.
فاللام في قوله : (لِقَوْلِهِمْ) لتضمين (تَسْمَعْ) معنى : تصغ أيها السامع ، إذ ليس في الإخبار بالسماع للقول فائدة لو لا أنه ضمن معنى الإصغاء لوعي كلامهم.
وجملة (كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ) مستأنفة استئنافا بيانيا جوابا عن سؤال ينشأ عن وصف حسن أجسامهم وذلاقة كلامهم ، فإنه في صورة مدح فلا يناسب ما قبله من ذمهم فيترقب السامع ما يرد بعد هذا الوصف.
ويجوز أن تكون الجملة حالا من ضميري الغيبة في قوله : (رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ).
ومعناه أن حسن صورهم لا نفع فيه لأنفسهم ولا للمسلمين.