(سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ).
جملة معترضة بين حكاية أحوالهم نشأت لمناسبة قوله : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ) [المنافقون : ٥] إلخ.
واعلم أن تركيب : سواء عليه أكذا أم كذا ، ونحوه مما جرى مجرى المثل فيلزم هذه الكلمات مع ما يناسبها من ضمائر المخبر عنه. ومدلوله استواء الأمرين لدى المجرور بحرف (على) ، ولذلك يعقّب بجملة تبين جهة الاستواء كجملة (لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ). وجملة (لا يُؤْمِنُونَ) في سورة البقرة [٦]. وقوله : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) في سورة يس [١٠] وأما ما ينسب إلى بثينة في رثاء جميل بن معمر من قولها :
سواء علينا يا جميل بن معمر |
|
إذا متّ بأساء الحياة ولينها |
فلا أحسبه صحيح الرواية.
وسواء اسم بمعنى مساو يعامل معاملة الجامد في الغالب فلا يتغير خبره نقول : هما سواء ، وهم سواء. وشذ قولهم : سواءين.
و (على) من قوله : (عَلَيْهِمْ) بمعنى تمكّن الوصف. فالمعنى : سواء فيهم.
وهمزة (أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ) أصلها همزة استفهام بمعنى : سواء عندهم سؤال السائل عن وقوع الاستغفار لهم وسؤال السائل عن عدم وقوعه. وهو استفهام مجازي مستعمل كناية عن قلة الاعتناء بكلا الحالين بقرينة لفظ سواء ولذلك يسمي النحاة هذه الهمزة التسوية. وتقدم عند قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ) في سورة البقرة [٦] ، أي سواء عندهم استغفارك لهم وعدمه. ف (على) للاستعلاء المجازي الذي هو التمكن والتلبس فتؤول إلى معنى (عند) كما تقول سواء عليّ أرضيت أم غضبت وقوله تعالى : (قالُوا سَواءٌ عَلَيْنا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ) في سورة الشعراء [١٣٦].
وجملة (لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) معترضة بين جملة (سَواءٌ عَلَيْهِمْ) وجملة (هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ) [المنافقون : ٧] وهي وعيد لهم وجزاء على استخفافهم بالاستغفار من رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
(لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ).