قوله : (وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ) [المنافقون : ٧].
وعدل عن الإضمار في قوله : (وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ). وقد سبق اسمهم في نظيرها قبلها لتكون الجملة مستقلة الدلالة بذاتها فتسير سير المثل.
وإنما نفي عنهم هنا العلم تجهيلا بسوء التأمل في أمارات الظهور والانحطاط فلم يفطنوا للإقبال الذي في أحوال المسلمين وازدياد سلطانهم يوما فيوما وتناقص من أعدائهم فإن ذلك أمر مشاهد فكيف يظن المنافقون أن عزتهم أقوى من عزّة قبائل العرب الذين يسقطون بأيدي المسلمين كلما غزوهم من يوم بدر فما بعده.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٩))
انتقال من كشف أحوال المنافقين المسوق للحذر منهم والتحذير من صفاتهم ، إلى الإقبال على خطاب المؤمنين بنهيهم عما شأنه أن يشغل عن التذكر لما أمر الله ونهى ، ثم الأمر بالإنفاق في سبل الخير في سبيل الله ومصالح المسلمين وجماعتهم وإسعاف آحادهم ، لئلا يستهويهم قول المنافقين (لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ) [المنافقين : ٧] والمبادرة إلى ذلك قبل إتيان الموت الذي لا يدرى وقت حلوله حين تمنى أن يكون قد تأخر أجله ليزيد من العمل الصالح فلا ينفعه التمني وهو تمهيد لقوله بعده (وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ) [المنافقون : ١٠] ، فالمناسبة لهذا الانتقال هو حكاية مقال المنافقين ولذلك قدم ذكر الأموال على ذكر الأولاد لأنها أهم بحسب السياق.
ونودي المخاطبون بطريق الموصول لما تؤذن به الصلة من التهمم لامتثال النهي.
وخص الأموال والأولاد بتوجه النهي عن الاشتغال بها اشتغالا يلهي عن ذكر الله لأن الأموال مما يكثر إقبال الناس على إنمائها والتفكير في اكتسابها بحيث تكون أوقات الشغل بها أكثر من أوقات الشغل بالأولاد. ولأنها كما تشغل عن ذكر الله بصرف الوقت في كسبها ونمائها ، تشغل عن ذكره أيضا بالتذكير لكنزها بحيث ينسى ذكر ما دعا الله إليه من إنفاقها.
وأما ذكر الأولاد فهو إدماج لأن الاشتغال بالأولاد والشفقة عليهم وتدبير شئونهم وقضاء الأوقات في التأنس بهم من شأنه أن ينسي عن تذكر أمر الله ونهيه في أوقات كثيرة