تعالى فهو الملك المطلق الداخل في سلطانه كل ذي ملك.
وجملة (وَلَهُ الْحَمْدُ) مضمونها سبب لتسبيح الله ما في السماوات وما في الأرض ، إذ التسبيح من الحمد ، فلا جرم أن كان حمد ذوي الإدراك مختصا به تعالى إذ هو الموصوف بالجميل الاختياري المطلق فهو الحقيق بالحمد والتسبيح.
فهذا القصر ادعائي لعدم الاعتداد بحمد غيره لنقصان كمالاتهم وإذا أريد بالحمد ما يشمل الشكر أو يفضي إليه كما في الحديث «الحمد رأس الشكر لم يشكر الله عبد لم يحمده» وهو مقتضى المقام من تسفيه أحلام المشركين في عبادتهم غيره فالشكر أيضا مقصور عليه تعالى لأنه المنعم الحق بنعم لا قبل لغيره بإسدائها ، وهو المفيض على المنعمين ما ينعمون به في الظاهر ، قال تعالى : (وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ) [النحل : ٥٣] كما تقدم في تفسير أول سورة الفاتحة.
وجملة (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) معطوفة على اللتين قبلها وهي بمنزلة التذييل لهما والتبيين لوجه القصرين فيهما ، فإن التقدير على كل شيء هو صاحب الملك الحق وهو المختص بالحمد الحق.
وفي هذا التذييل وعد للشاكرين ووعيد وترهيب للمشركين.
والاقتصار على ذكر وصف (قَدِيرٌ) هنا لأن المخلوقات التي تسبح الله دالة على صفة القدرة أولا لأن من يشاهد المخلوقات يعلم أن خالقها قادر.
(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٢))
هذا تقرير لما أفاده قوله : (يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) [التغابن : ١] ، وتخلص للمقصود منه على وجه التصريح بأن الذين أشركوا بالله قد كفروا بنعمته وبخلقهم زيادة على جحدهم دلائل تنزهه تعالى عن النقص الذي اعتقدوه له. ولذلك قدم (فَمِنْكُمْ كافِرٌ) على (وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ) لأن الشق الأول هو المقصود بهذا الكلام تعريضا وتصريحا.
وأفاد تعريف الجزأين من جملة (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ) قصر صفة الخالقية على الله تعالى ، وهو قصر حقيقي قصد به الإشارة بالكناية بالرد على المشركين إذ عمدوا إلى عبادة أصنام يعلمون أنها لم تخلقهم فما كانت مستحقة لأن تعبد ، لأن العبادة شكر. قال تعالى : (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) [النحل : ١٧].