ترى إلى قوله : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) إلى قوله : (رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً) [آل عمران : ١٩٠ ، ١٩١]. والباطل مصدقه هنالك هو العبث لقوله تعالى : (وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِ) [الدخان : ٣٨ ، ٣٩] فتعين أن مصدق الحقّ في قوله : (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ) أنه ضد العبث والإهمال.
والمراد ب (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) خلق ذواتهن وخلق ما فيهن من المخلوقات كما أنبأ عنه قوله : (وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِ) ، أي ما خلقناهما وما بينهما إلا بالحقّ ، فكذلك يكون التقدير في الآية من هذه السورة.
وملابسة الحق لخلق السماوات والأرض يلزم أن تكون ملابسة عامة مطردة لأنه لو اختلت ملابسة حال من أحوال مخلوقات السماوات للحق لكان ناقضا لمعنى ملابسة خلقها للحقّ ، فكان نفي البعث للجزاء على أعمال المخلوقات موجبا اختلال تلك الملابسة في بعض الأحوال. وتخلّف الجزاء عن الأعمال في الدنيا مشاهد إذ كثيرا ما نرى الصالحين في كرب ونرى أهل الفساد في نعمة ، فلو كانت هذه الحياة الدنيا قصارى حياة المكلفين لكان كثير من أهل الصلاح غير لاق جزاء على صلاحه. وانقلب أكثر أهل الفساد متمتعا بإرضاء خباثة نفسه ونوال مشتهياته ، فكان خلق كلا هذين الفريقين غير ملابس للحق ، بالمعنى المراد.
ولزيادة الإيقاظ لهذا الإيمان عطف عليه قوله : (وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) وكل ذلك توطئة إلى ما سبقه من قوله تعالى : (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا) [التغابن : ٧] الآية.
وفي قوله : (بِالْحَقِ) رمز إلى الجزاء وهو وعيد ووعد.
وفي قوله : (خَلَقَ السَّماواتِ) إلى آخره إظهار أيضا لعظمة الله في ملكوته.
(وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ).
إدماج امتنان على الناس بأنهم مع ما خلقوا عليه من ملابسة الحق على وجه الإجمال وذلك من الكمال وهو ما اقتضته الحكمة الإلهية فقد خلقوا في أحسن تقويم إذ كانت صورة الإنسان مستوفية الحسن متماثلة فيه لا يعتورها من فظاعة بعض أجزائها ونقصان الانتفاع بها ما يناكد محاسن سائرها بخلاف محاسن أحاسن الحيوان من الدواب والطير والحيتان من مشي على أربع مع انتكاس الرأس غالبا ، أو زحف ، أو نقز في