المشي في البعض.
ولا تعتور الإنسان نقائص في صورته إلا من عوارض تعرض في مدة تكوينه من صدمات لبطون الأمهات ، أو علل تحلّ بهن ، أو بالأجنة أو من عوارض تعرض له في مدة حياته فتشوه بعض محاسن الصور. فلا يعد ذلك من أصل تصوير الإنسان على أن ذلك مع ندرته لا يعد فظاعة ولكنه نقص نسبي في المحاسن فقد جمع بين الإيماء إلى ما اقتضته الحكمة قد نبههم إلى ما اقتضاه الإنعام. وفيه إشارة إلى دليل إمكان البعث كما قال : (أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ) [ق : ١٥] ، وقال : (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ) [يس : ٨١].
(وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ).
عطف على جملة (وَصَوَّرَكُمْ) لأن التصوير يقتضي الإيجاد فأعقب بالتذكير بأن بعد هذا الإيجاد فناء ثم بعثا للجزاء.
والمصير مصدر ميمي لفعل صادر بمعنى رجع وانتهى ، ولذلك يعدّى بحرف الانتهاء ، أي ومرجعكم إليه يعني بعد الموت وهو مصير الحشر للجزاء.
وتقديم (إِلَيْهِ) على (الْمَصِيرُ) للرعاية على الفاصلة مع إفادة الاهتمام بتعلق ذلك المصير بتصرف الله المحض. وليس مرادا بالتقديم قصر لأن المشركين لا يصدقون بهذا المصير من أصله بله أن يدّعوا أنه مصير إلى غيره حتى يردّ عليهم بالقصر.
وهذه الجملة أشد ارتباطا بجملة (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ) منها بجملة (وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) كما يظهر بالتأمل.
(يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ وَاللهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٤))
كانوا ينفون الحشر بعلة أنه إذا تفرقت أجزاء الجسد لا يمكن جمعها ولا يحاط بها. (وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) [السجدة : ١٠] ، فكان قوله تعالى : (يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ) دحضا لشبهتهم ، أي أن الذي يعلم ما في السماوات والأرض لا يعجزه تفرق أجزاء البدن إذا أراد جمعها. والذي يعلم السرّ في نفس الإنسان ، والسرّ أدق وأخفى من ذرات الأجساد المتفرقة ، لا تخفى