عملوه ، فإن الجزاء يستلزم علم المجازي بعمله الذي جوزي عليه فكان حصول الجزاء بمنزلة إخباره بما عمله كقوله تعالى : (إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا) [لقمان : ٢٣].
وهذا وعيد وتهديد بجزاء سيّئ لأن المقام دليل على أن عملهم سيئ وهو تكذيب الرسول صلىاللهعليهوسلم وإنكار ما دعاهم إليه.
وجملة (وَذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) تذييل ، والواو اعتراضية.
واسم الإشارة : إما عائد إلى البعث المفهوم من (لَتُبْعَثُنَ) مثل قوله : (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) [المائدة : ٨] أي العدل أقرب للتقوى ، وإما عائد إلى معنى المذكور من مجموع (لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ).
وأخبر عنه ب (يَسِيرٌ) دون أن يقال : واقع كما قال : (وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ) [الذاريات : ٦] ، لأن الكلام لردّ إحالتهم البعث بعلة أن أجزاء الجسد تفرقت فيتعذر جمعها فذكّروا بأن العسير في متعارف الناس لا يعسر على الله وقد قال في الآية الأخرى (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) [الروم : ٢٧].
(فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٨))
من جملة القول المأمور رسول الله صلىاللهعليهوسلم بأن يقوله.
والفاء فصيحة تفصح عن شرط مقدّر ، والتقدير : فإذا علمتم هذه الحجج وتذكّرتم ما حلّ بنظرائكم من العقاب وما ستنبّئون به من أعمالكم فآمنوا بالله ورسوله والقرآن ، أي بنصه.
والمراد بالنور الذي أنزل الله ، القرآن ، وصف بأنه نور على طريقة الاستعارة لأنه أشبه النور في إيضاح المطلوب باستقامة حجته وبلاغة كلامه قال تعالى : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً) [النساء : ١٧٤]. وأشبه النور في الإرشاد إلى السلوك القويم وفي هذا الشبه الثاني تشاركه الكتب السماوية ، قال تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ) [المائدة : ٤٤] ، وقرينة الاستعارة قوله : (الَّذِي أَنْزَلْنا) ، لأنه من مناسبات المشبّه لاشتهار القرآن بين الناس كلهم بالألقاب المشتقة من الإنزال والتنزيل عرف ذلك المسلمون والمعاندون. وهو إنزال مجازي أريد به تبليغ مراد الله إلى الرسول صلىاللهعليهوسلم ، وقد تقدم عند قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) في سورة البقرة [٤] وفي آيات كثيرة.