وإنما جعل الإيمان بصدق القرآن داخلا في حيّز فاء التفريع لأن ما قبل الفاء تضمن أنهم كذبوا بالقرآن من قوله : (ذلِكَ بِأَنَّهُ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا) [التغابن : ٦] كما قال المشركون من أهل مكة ، والإيمان بالقرآن يشمل الإيمان بالبعث فكان قوله تعالى : (وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا) شاملا لما سبق الفاء من قوله : (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا) [التغابن : ٧] إلخ.
وفي قوله : (الَّذِي أَنْزَلْنا) التفات من الغيبة إلى المتكلم لزيادة الترغيب في الإيمان بالقرآن تذكيرا بأنه منزل من الله لأن ضمير التكلم أشد دلالة على معاده من ضمير الغائب ، ولتقوية داعي المأمور.
وجملة (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) تذييل لجملة (فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) يقتضي وعدا إن آمنوا ، ووعيدا إن لم يؤمنوا.
وفي ذكر اسم الجلالة إظهار في مقام الإضمار لتكون الجملة مستقلة جارية مجرى المثل والكلم الجوامع ، ولأن الاسم الظاهر أقوى دلالة من الضمير لاستغنائه عن تطلب المعاد. وفيه من تربية المهابة ما في قول الخليفة «أمير المؤمنين يأمركم بكذا».
والخبير : العليم ، وجيء هنا بصفة «الخبير» دون : البصير ، لأن ما يعلمونه منه محسوسات ومنه غير محسوسات كالمعتقدات ، ومنها الإيمان بالبعث ، فعلق بالوصف الدال على تعلق العلم الإلهي بالموجودات كلها ، بخلاف قوله فيما تقدم (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [التغابن : ٢] فإن لكفر الكافرين وإيمان المؤمنين آثارا ظاهرة محسوسة فعلقت بالوصف الدال على تعلق العلم الإلهي بالمحسوسات.
[٩ ، ١٠] (يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٩) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ خالِدِينَ فِيها وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٠))
(يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ).
متعلق بفعل (لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ) [التغابن : ٧] الذي هو كناية عن «تجازون» على